اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
ضد البيروقراطية: الأردن يبني نظامًا مناعيًا لتعزيز بيئة الاستثمار
أحمد عبدالباسط الرجوب
في اقتصاديات العصر الحديث، لم تعد حوافز الاستثمار وحدها كافية لجذب رؤوس الأموال، بل أصبحت 'الكفاءة الإدارية' و'سرعة الإنجاز' هما العملة الأكثر قيمة. وقد أسهمت التصريحات الأخيرة لرجل الأعمال زياد المناصير في تسليط الضوء على تحدي حقيقي يواجه بيئة الأعمال في الأردن، تمثل في التعقيدات البيروقراطية والإجراءات الروتينية التي تعطل حركة الاستثمار، بعيدًا عما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام.
إشكالية البيروقراطية: عدو النمو الاقتصادي
جاءت تصريحات المناصير في سياق الشكوى من التعقيدات الإدارية والضغوط الناتجة عن تأخير إنجاز المعاملات والموافقات، وهي قضية تؤرق العديد من المستثمرين. وقد مثل اللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء منعطفًا إيجابياً، حيث أعاد توجيه النقاش إلى مساره الصحيح، مؤكدًا أن الحلول تأتي عبر حوار بناء يعالج الجذور وليس الأعراض. هذه الاستجابة الحكومية السريعة تعكس إدراكًا عميقًا بأن تطويق البيروقراطية هو المدخل الحقيقي لتحسين مناخ الأعمال.
السياق الحقيقي لخروج الاستثمارات العالمية: استراتيجيات عالمية وليست هروبًا
كثيرًا ما يُساء تفسير خروج بعض الشركات العالمية من السوق الأردني، مثل 'توتال' و'لافارج'، على أنه انسحاب من الاقتصاد الأردني. والحقيقة أن هذه العمليات، في غالبيتها، هي جزء من ديناميكيات السوق العالمية واستراتيجيات الشركات الأم.
فانسحاب 'توتال' من قطاع الطاقة جاء في إطار بيع أصولها في الأردن والمنطقة لشركة 'VIVO ENERGY' الهولندية العملاقة، وهي شركة رائدة في مجال تجارة وتوزيع المنتجات النفطية في القارة الإفريقية، حيث تندرج هذه الصفقة ضمن إستراتيجية إعادة هيكلة عالمية للشركة.
أما بالنسبة لشركة 'لافارج'، فقد أكدت مصادر مطلعة أن الشركة تباحث بيع مصنع الفحيص لأحد المستثمرين، وذلك لضمان استمرارها في أداء دورها الإيجابي في المجتمع والاقتصاد الوطني. وجاء هذا القرار بعد دراسة عميقة للخيارات المتاحة، خاصة في ظل الظروف التي فرضتها التحديات المالية ، التي أصبحت تعيق قدرة الشركة على الاستمرار في أداء دورها.
هذه الحالات لا تختلف عن تحولات سابقة في القطاع المصرفي، حيث تم دمج بنك 'سوسيتيه جنرال' الفرنسي في 'كابيتال بنك'، مما يعكس سيولة وحيوية في السوق وليس بالضرورة تشاؤمًا تجاه الاقتصاد الوطني.
تهيئة البيئة الحاضنة: من الروتين إلى المرونة
الجهود الأردنية لتحسين بيئة الأعمال حثيثة، وتتعزز بدور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في متابعة أي شوائب. ولضمان بيئة استثمارية حاضنة، يجب التركيز على:
1. رقمنة الإجراءات: تحويل المعاملات الحكومية إلى منصات إلكترونية متكاملة لتقليل الوقت والجهد والتفاعل المباشر.
2. مأسسة العلاقة مع المستثمر: إنشاء قنوات اتصال دائمة بين المستثمرين وأصحاب القرار لمعالجة التعقيدات الإدارية.
3. الشفافية المعلوماتية: توفير بيانات واضحة وسهلة الوصول للمستثمرين حول متطلبات ومراحل الحصول على التراخيص.
4. تبسيط الإجراءات: مراجعة شاملة للتعليمات والأنظمة بهدف تقليل عدد الخطوات والجهات المعنية.
خاتمة: من البيروقراطية إلى الكفاءة
الدرس المستفاد من حادثة المناصير هو أن تحدي البيروقراطية لا يقل خطورة عن أي عائق آخر يواجه الاستثمار. إن الانتقال من ثقافة الروتين إلى ثقافة الإنجاز، ومن التعقيد إلى التبسيط، هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل الأردن الاقتصادي. إنها الرحلة التي تحول التحديات الإدارية إلى فرص للإصلاح، والجدل إلى إجماع وطني على أن كفاءة الجهاز الحكومي هي الطريق الوحيد نحو اقتصاد أقوى وأكثر مرونة للجميع.
باحث ومخطط استراتيجي












































