اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ حزيران ٢٠٢٥
التعاونيات البيئية.. نماذج واقعية وروافع تنموية
التعاونيات ليست مجرد أداة اقتصادية، بل منظومة أعمال واقعية متكاملة وروافع تنموية تهتم بمختلف مناحي الحياة المجتمعية والبيئية والثقافية وغيرها، محورها الإنسان، وتُعدُّ محركاً رئيساً في عملية التنمية المستدامة الشاملة، وتسهم بدورها في ترسيخ بعض المفاهيم المرتبطة بالبيئة كـ'الاقتصاد الأخضر' و'التكافل البيئي'، من خلال العمل على تنفيذ مشاريع ذات أثر بيئي مباشرٍ أو غير مباشرٍ على البشر.
وفي خضم احتفاء دول العالم بيوم البيئة العالمي الذي يصادف في الـ 5 من حزيران من كل عامٍ، من الأهمية بمكان الإشارة إلى ما يواجههُ الأردن من تحدياتٍ تتمثل في انخفاض كميات الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة بفعل تداعيات ظاهرة تغير المناخ، والتي من نتائجها التراجع في إنتاج الحبوب، وزيادة الاعتماد على استيراد المواد الغذائية، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود كافة القطاعات بما في ذلك القطاع التعاوني للتقليل من حجم تلك الآثار أو الأضرار التي قد تلحق بنا ليس وحدنا قطعاً، لا سيما على مستوى قطاعي الزراعة والمياه الأكثر ارتباطاً بحياة الناس والأمن الغذائي.
ولمواجهة ذلك، حرصت المؤسسة التعاونية الأردنية من خلال مشروع إكثار البذار، وبالشراكة مع المركز الوطني للبحوث الزراعية على إنتاج أصناف من بذار القمح والشعير المُحسن المقاوم للجفاف في ظل تراجع معدل الهطول المطري السنوي، وتوفيرها لمزارعي محاصيل القمح والشعير مع بدء الموسم الزراعي في كلٍ عامٍ، وبأسعار مدعومةٍ من الحكومة، بالإضافة إلى العمل المشترك القائم بين الجانبين والمستمر من أجل تطوير أنواعٍ جديدةٍ من البذار المُحسن تكون أكثر قدرةً على مواجهة تداعيات التغير المناخي.
ونرى بأن التعاونيات المهتمة بالأنشطة البيئية تلعبُ دوراً محورياً في تعزيز صمود المجتمعات المحلية، خاصةً في مناطق الريف والبادية، أمام شتى أشكال التغيرات ذات العلاقة بالمناخ، وذلك من خلال تبني ممارساتٍ مستدامةٍ من أجل التكيف مع آثارِ ظاهرةٍ كونيةٍ عابرةٍ للحدود.
وعلى صعيد مساهمة التعاونيات في الحفاظ على البيئة محلياً، رعت المؤسسة التعاونية بالشراكة مع وزارة الزراعة تأسيس تعاونيات شبابية ونسائية تنشط في مجالات الزراعة المائية، والري الحديث، وإعادة تدوير النفايات لا سيما الورقية والبلاستيكية، والتسويق الرقمي، بما يعزز من ربط التنمية الاقتصادية بالممارسات البيئية المستدامة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن العديد من التعاونيات تُعتبر أنموذجاً لقصص نجاحٍ في مجال الحفاظ على البيئة، فقد قامت جمعية المهندس الزراعي التعاونية على تنفيذ مشاريع الزراعة المائية والاستزراع السمكي في منطقة الأغوار الشمالية، فضلاً عن إطلاق جمعية تبنة التعاونية في لواء الكورة/ إربد، مشروعاً بيئياً لإنتاج السماد العضوي من مخلفات الحيوانات، وإعادة تدوير الورق والكرتون الذي يتم جمعهُ من المدارس، وتحويله إلى منتجات أخرى، مما وفر وظائف لعددٍ كبيرٍ من نساء المجتمع المحلي.
كما وتكللت جهود الجمعية التعاونية لتدوير النفايات بمحافظة اربد بالنجاح نحو تنظيم العاملين في قطاع جمع النفايات عبر تمكين أكثر من (1000) عاملٍ من إصدار تصاريح عملٍ بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، ولاحقاً توفير الحماية الاجتماعية والتدريب لهم، وبالتالي دمجهم بالاقتصاد المنظم.
فيما تُعدُّ تعاونية سيدات عراق الأمير نموذجاً رائدًا في توظيف الموارد الطبيعية لجهة إنتاج مواد كالورق اليدوي والصابون، ودعمها لأكثر من (150) عائلةٍ عبر توفير فرص عملٍ ومصدر دخلٍ لها، عدا عن مساهمتها في تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز مفهوم الاقتصاد البيئي، وترسيخ الوعي البيئي لدى الأجيال الناشئة.
وليس ببعيدٍ عن ذلك برمته، التعاونيات السياحية البيئية كنموذجٍ شاهدٍ على اعتبار المجتمعات المحلية شريكاً أساسياً في إدارة الموارد الطبيعية، إذا ما علمنا أن العديد منها في مناطق ضانا والموجب والحُميمة ووادي رم وحوض الديسة، أقامت أنشطتها ومشاريعها على فكرة استثمار تلك الموارد وتسخير الطبيعة الخلابة لتكون أداةً للعمل والبناء سواء بتشييد نزلٍ بيئي أو اعتماد مساراتٍ سياحيةٍ تراعي صون الطبيعة، وتوفر فرص عمل للشباب ومصدر دخل لأبناء المجتمع المحلي.
جماع القول، إن التعاونيات ومن خلال أنشطتها البيئية على إختلافها، تساهم في تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كالقضاء على الجوع عن طريق دعم منظومة الأمن الغذائي، والمساواة بين الجنسين عبر إتاحة الحق للنساء في تأسيس والانتساب للتعاونيات، والاستهلاك والإنتاج المسؤولان بإطلاقها مبادرات ومشاريع لإعادة تدوير النفايات، والعمل المناخي من خلال إقامة مشاريع في مجالات الزراعة الذكية والري الحديث.
بكل تأكيدٍ، يمكن لنا القول إن التعاونيات خاصةً العاملة في المجالين البيئي والزراعي أُنموذجاً يحتذى به في قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع آثار التغير المناخي، لِما لها من دورٍ في تعزيز منظومة الأمن الغذائي وكذلك المائي عبر استخدامها لتقنيات الزراعة الحديثة والذكية والحصاد المائي، ولقدرتها على إدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدامٍ، ولمساهمتها في بناء مجتمعاتٍ إنتاجيةٍ أكثر مرونةٍ واستدامةٍ، لتكون بذلك قادرةً على تجاوز مختلف التحديات المناخية القائمة.