اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
في صباحٍ من صباحات العيد، حيث تتعانق الأعلام في سماء الوطن وتزدان القلوب بالبهجة والاعتزاز، يُطل علينا يوم الجيش الأردني وذكرى الثورة العربية الكبرى، حاملًا معه عبق المجد وذاكرة التضحية، حين نهض رجالٌ من رمال الصحراء وأزقة المدن ومرتفعات القرى ليخطّوا بدمائهم خارطة وطنٍ حر، وسياج أمةٍ لا تنكسر.
في كل عام، ونحن نُحيي ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش ، نُعيد فتح صفحات من التاريخ كتبها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنجدد العهد مع شهدائنا الأبرار، الذين ارتقوا ليبقى الأردن عالي الراية . ومن بين هؤلاء الأبطال الشهيد علي منيزل الزيود العبادي، الرجل الذي عاش مؤمنًا بأن الشهادة هي أسمى ما يمكن أن يقدمه الإنسان لوطنه، ولم يتردد يومًا في أن يكون في الصفوف الأولى، حيث الخطر أقرب من الأمل، وحيث الشهادة أقرب من الرجوع ومضى على ذلك الدرب حتى لقي وجه ربه.
كان الشهيد علي من الرجال الذين آمنوا بالأرض، والراية، والشرف العسكري. لم تكن الشهادة لديه نهاية، بل بداية مجدٍ خالد يروى في المجالس، وتُذكر عند كل وقفة فخر.
وفي خلفية هذه القصة البطولية، تقف سيدة عظيمة بصبرها ومواقفها، هي رجوه، زوجة الشهيد، التي عرفت معنى الألم والفخر في آن واحد. لم تنحنِ لليأس، بل جسّدت بأمومتها وصبرها عظمة المرأة الأردنية والرمز الحي لصبر الأردنيات فكانت ركنًا ثابتًا بعد استشهاده و سندًا في حياة البذل، تحملت صعوبة الحياة التي يمر بها كل بيتٍ قدّم شهيدًا، فباتت مثالًا للأم الأردنية الصابرة المكافحة التي يمكن أن تُختصر بها كل معاني الصبر والشموخ. لم تنحنِ لفقرٍ، ولا لغياب، بل شدّت على جرحها، وربّت ابنها على الإباء والوفاء للوطن وقد كانت كلماتها خير تعبير عن إيمانها الراسخ بأن روح الشهيد لم تغب، بل كانت حاضرة في كل لحظة حاسمة، في كل قرار، في كل تعب فحتى الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة عندما يكون الحب للوطن.
وقد أثمرت هذه الشجرة الطيبة ابنًا بارًا متميزًا، هو العقيد المتقاعد المهندس محمد علي المنيزل ، الذي واصل طريق التميز والانتماء للوطن، كبر بعزيمة الرجال، وواجه الحياة بكل صلابتها مدفوعًا بإرث والده، ومسنودًا بدعاء والدته ومجسّدًا القيم العسكرية والمهنية الرفيعة في كل موقع شغله مؤمنًا بأن حب الوطن فعل لا قول ، فكان 'ابن الشهيد' قبل أن يكون الضابط دليلا على أن دماء الشهداء لا تذهب سدى، بل تنبت رجالًا يصنعون الفارق.
اليوم، ونحن نحتفل بالعيد، ونقف احترامًا ليوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى، نعلم أن الأردن ما كان ليكون بهذا البهاء لولا أُسرٍ مثل عائلة الشهيد علي منيزل الزيود العبادي. أُسرٌ دفعت الثمن غاليًا، لكنها لم تتراجع، لم تتذمر، بل تقدّمت بأبنائها، صنعوا من الألم عزيمة، ومن الفقد ذكرى، ومن الشهادة رسالة ،هم ليسوا مجرد عائلة هم درس في كيف يكون الحب للوطن، وكيف يكون الوفاء بعد الرحيل.
في يوم الجيش ، نُجدد الوعد بأن نحفظ وصايا الشهداء، ونرفع راية الأردن عالية خفاقة، لا تنكسر أمام ريح، ولا تنحني لعاصفة و نرفع القبعات لرجالٍ لم يعرفوا التراجع، ونساءٍ كنّ السند والصبر. نُكرم الشهداء الأبرار، ونقول لكل أم شهيد، ولكل أرملة، ولكل ابن نشأ يتيم الأب لكنه غني بالفخر أنتم تاج الوطن، وأنتم قصته التي لا تنتهي.
م. غدير احمد المحيسن