اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
عصا ترامب وشعرة معاوية.. والفرصة الأخيرة لحماس والسلطة الفلسطينية #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي -
مدخل: البيت الأبيض يكتب المشهد بلغة النهاية
في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة قبل انطلاق المفاوضات في شرم الشيخ، بدت واشنطن وكأنها تريد أن تختتم الحرب لا أن تُديرها. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب خرج إلى حديقة البيت الأبيض ليعلن للعالم أن 'السلام في الشرق الأوسط” بات قريبًا 'لأول مرة منذ ثلاثة آلاف عام”، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية ما تزال تحلّق فوق شمال غزة، وحماس تحاول جمع جثث الأسرى من بين الأنقاض.
كان المشهد متناقضًا حدّ الفصام: رئيس أميركي يتحدث عن سلامٍ أسطوري، وحربٌ لم تهدأ بعد.
ترامب لم يكن يتحدث عن اتفاق مكتمل، بل عن رغبة انتخابية في تثبيت صورة 'رجل السلام”، في لحظةٍ بات فيها الداخل الأميركي متعبًا من الحروب الطويلة. لذلك، تحوّل خطاب البيت الأبيض إلى ما يشبه صفقة الوقت الضائع: لا سلام كامل، ولا حرب كاملة، بل هدنة تحت مظلة المصالح.
ومع ذلك، كان وراء الأبواب ما هو أعمق من التصريحات — كانت هناك خطة تتحرك بهدوء بين عصا ترامب وشعرة معاوية التي يمسك بها وزير خارجيته ماركو روبيو، وهي التي ستحدد مصير المفاوضات في شرم الشيخ.
القاهرة على موعد بين الحسم والتأجيل
على الضفة الأخرى، كانت القاهرة تعيد ارتداء عباءتها التقليدية كعرّاب للتهدئة. فمصر التي تحملت عامين من انفجار غزة وحدودها المشتعلة، تدرك أن أي سلامٍ هشّ لن يصمد إن لم يكن فلسطينيًّا في جوهره.
لكن ما ينتظرها هذه المرة ليس مجرد وقفٍ لإطلاق النار، بل إعادة تعريف للملف الفلسطيني برمّته: من يحكم غزة؟ ومن يحمل السلاح؟ ومن يتكلم باسم الشعب الفلسطيني بعد عامين من الدم والنار؟
في الكواليس، أكدت مصادر مصرية أن المفاوضات ستُدار بطريقة 'الغرف المنفصلة”، حيث سيقيم الوفدان الإسرائيلي والحمساوي في مبنيين متقابلين داخل المنتجع، ويتنقل الوسطاء المصريون والقطريون حامِلين الرسائل بين الجانبين.
هذا الشكل ليس جديدًا، لكنه يعكس عمق الفجوة وانعدام الثقة. فشرم الشيخ تعود اليوم لتكون غرفة عزل سياسي أكثر منها طاولة حوار.
ارتباك حماس بين صوتين: الواقعية والمزايدة
داخل حماس، تدور معركة داخلية بين جناحين: جناحٍ يدرك أن الحرب وصلت إلى سقفها العسكري، وآخر يعتقد أن التراجع الآن يعني انتحارًا سياسيًا.
مصادر عربية كشفت أن الحركة تدرس تسليم جزء من سلاحها إلى جهة فلسطينية–مصرية بإشراف دولي، مقابل ضمانات أميركية بانسحابٍ إسرائيلي دائم من القطاع، ورفع تدريجي للحصار.
لكن في المقابل، أصدرت الحركة بيانًا رسميًا ينفي كل ذلك، متهمة قناة 'العربية” بترويج 'أكاذيب هدفها تشويه موقف المقاومة”.
الازدواجية في الخطاب تعبّر عن مأزق حماس الحقيقي: كيف تدخل مفاوضات تحت ضغط إنساني خانق دون أن تفقد رمزية 'المقاومة”، وكيف تقبل باتفاقٍ يشترط نزع السلاح وهي التي رفعت شعار 'السلاح شرفٌ لا يُسلَّم”؟
في واقع الأمر، هذه الجولة لا تحمل فقط مفاوضات بين إسرائيل وحماس، بل بين حماس ونفسها — بين من يرى أن الوقت قد حان لتحويل الدم إلى سياسة، ومن يرى أن الصمود حتى الرمق الأخير هو رأس المال الوحيد المتبقي.
نتنياهو: من البرود السياسي إلى الرهان الداخلي
في تل أبيب، كان نتنياهو يراقب بعينين متعبتين مشهد شرم الشيخ.
فهو يدرك أن أي اتفاقٍ سريع قد يهدد تماسك حكومته اليمينية، وأن أي تأجيل قد يفجّر الشارع الإسرائيلي الغاضب بسبب ملف الأسرى.
حين تلقى اتصال ترامب بعد ردّ حماس بـ'نعم ولكن”، ردّ ببرود: 'لا يوجد ما يُحتفل به، هذا لا يعني شيئًا.”
ترامب انفجر غضبًا، قائلًا: 'لماذا أنت دائمًا سلبي بحق الجحيم؟ هذا نصر، تقبّله!”
هذه المكالمة المسربة كشفت الفارق بين عقلين: ترامب الذي يقيس السياسة بالصورة، ونتنياهو الذي يقيسها بالنجاة.
ترامب يريد اتفاقًا يعلّق عليه وسام السلام، أما نتنياهو فيبحث عن مخرج يعلّق عليه وسام البقاء.
في نهاية اليوم، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ليتحدث لقناة Euronews بنبرةٍ رمادية:
> 'لا أستطيع أن أقول إن حماس ستوافق. آمل ذلك، ولكن لا أضمن. إن لم يحدث، ترامب سيدعم إسرائيل.”
بهذه الجملة القصيرة، نقل نتنياهو الرسالة إلى الداخل والخارج معًا: لن أقبل باتفاق يُفهم كاستسلام، ولن أمانع إن أُلقي اللوم على واشنطن لاحقًا.
عصا ترامب وشعرة معاوية: دبلوماسية الضغط الذكي
بين البيت الأبيض والقاهرة، برز اسم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو كمهندس المرحلة الانتقالية.
روبيو، بخلفيته اللاتينية الصلبة، يمارس سياسة العصا والهمس:
من جهة، يعلن أن '90% من التفاصيل تم الاتفاق عليها”، ويهدد بأن 'المفاوضات لا يمكن أن تمتد أكثر من أيام”.
ومن جهة أخرى، يترك خيطًا رفيعًا من المناورة حين يقول:
'حتى يُحكم القطاع من قبل من لا يريدون تدمير إسرائيل، وحتى لا تصدر منه تهديدات أمنية، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية.”
هذه هي شعرة معاوية الأميركية: لا وعد صريح، ولا رفض صريح، بل إدارة مفتوحة للزمن.
الولايات المتحدة لا تبحث عن حلٍّ نهائي، بل عن توازنٍ دائم يمنحها القدرة على تحريك الأطراف متى شاءت.
ولذلك، فإن كل تصريح يخرج من واشنطن هذه الأيام يحمل وجهين:
واحد يُطمئن إسرائيل بأنها ما زالت اليد العليا، وآخر يهمس للعرب بأن 'السلام ممكن إذا تغيّر السلوك”.
القاهرة بين الميدان والمفاوضة
مصر تدرك أنها لم تعد تملك ترف الانتظار.
بعد عامين من القصف، أصبحت غزة ملفًا أمنيًا داخل حدودها قبل أن يكون ملفًا عربيًا.
ولهذا، تتعامل القاهرة اليوم بمنهج 'الإطفاء المتدرّج”:
بناء مخيمات مؤقتة في شمال القطاع.
إدخال معدات هندسية لتأمين المناطق المنكوبة.
تهيئة بيئة تفاوضية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.
لكن الدور المصري هذه المرة يتجاوز التهدئة إلى إعادة صياغة المعادلة الفلسطينية.
فالقاهرة تسعى لإطلاق حوار وطني شامل يعيد توحيد المؤسسات الفلسطينية تحت سقف واحد، ويضمن أن السلاح يصبح 'مسؤولية الدولة” لا 'رمز الفصائل”.
وهي تدرك أن واشنطن لن تلتفت لأي تسوية إذا لم تكن هناك سلطة فلسطينية موحّدة وقادرة على استلام غزة.
السلطة الفلسطينية: بين العودة المستحيلة والفرصة الأخيرة
في رام الله، تبدو السلطة وكأنها أمام اختبار وجودي.
فالملف الذي خرج من يدها قبل سنوات يعود إليها اليوم مشروطًا ومرهونًا.
واشنطن تلمّح إلى أن أي انسحاب إسرائيلي حقيقي لن يتم إلا إذا تولّت السلطة إدارة غزة،
لكن الشرط المقابل واضح: 'لا سلاح خارج الدولة، ولا شريك مسلح في القرار.”
بالنسبة للسلطة، هذه الفرصة الأخيرة لتأكيد شرعيتها قبل أن تتحول إلى مجرد إدارة محلية في الضفة الغربية.
فإذا فشلت في استعادة غزة تحت مظلة عربية – دولية، فستُقصى نهائيًا عن الملف الفلسطيني.
أما إن نجحت، فسيُعاد فتح الباب نحو مشروع الدولة ولو جزئيًا، تحت رقابة أميركية ومظلة مصرية.
لكن هذه الفرصة محفوفة بالمخاطر؛ فحماس لن تتنازل بسهولة عن موقعها العسكري،
وإسرائيل لن تسمح بعودة مؤسسات السلطة دون ضمانات أمنية كاملة،
والولايات المتحدة لن تضع وزنها الكامل إلا حين تتأكد أن التسوية ستُترجم إلى استقرار انتخابي لترامب.
بين الواقع والخيارات الضيقة
خلال 24 ساعة، تحاول كل عاصمة أن تكتب سطرها الأخير قبل دخول المفاوضات:
واشنطن تريد أن تُغلق الملف وتعلن النصر الرمزي.
تل أبيب تريد أن تُبقي الحرب مفتوحة سياسيًا حتى لو توقفت عسكريًا.
القاهرة تريد أن تُثبت أن الدور العربي لم يمت.
حماس تريد أن تخرج من النفق بأقل خسارة سياسية ممكنة.
السلطة الفلسطينية تريد أن تُثبت أنها لم تُستبدل بعد.
لكن الحقيقة القاسية أن جميع الأطراف تتحرك داخل مساحة محدودة رسمها الواقع:
غزة لم تعد كما كانت، ولا يمكن العودة إلى ما قبل الحرب،
وواشنطن لم تعد تملك رفاهية إدارة حربٍ طويلة،
أما إسرائيل فتعرف أن أي نصر عسكري دون حلّ سياسي سيتحوّل إلى هزيمة مؤجلة.
تحليل ختامي: لحظة الحسم أم هدنة التاريخ؟
من البيت الأبيض إلى شرم الشيخ، تمرّ خيوط اللعبة بين يدين لا تلتقيان:
عصا ترامب الثقيلة، وشعرة معاوية التي يديرها روبيو.
الأولى تلوّح بالتهديد، والثانية تمنح الوقت.
وفي الوسط، تُعاد صياغة القضية الفلسطينية بأدواتٍ جديدة:
تفاهمات، ومناورات، وضمانات اقتصادية بدل السيادة.
قد يرى البعض أن ما يجري هو 'سلام الضرورة”،
لكن القراءة الأعمق تُظهر أنه ترتيب لمسرح ما بعد غزة،
حيث تُعاد كتابة الأدوار: من يحكم، ومن يُسلّم، ومن يُعفى، ومن يُقصى.
وبينما تتجه الأنظار إلى شرم الشيخ، لا يبدو أن هناك منتصرًا واحدًا،
بل مجموعة من الخاسرين يحاول كلٌّ منهم أن يخسر بأقل الخسائر الممكنة.
وربما لهذا السبب تحديدًا، فإن الـ 24 ساعة الأخيرة قبل المفاوضات ليست مجرد لحظة تفاوض،
بل هي امتحان الإرادات:
إما أن تنجح القاهرة في جمع الخيوط،
أو تدخل غزة ومعها المنطقة كلها في فراغٍ جديد لا يملؤه سوى الرماد.