اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٦ أب ٢٠٢٥
الاستهلاك والاستثمار في الأردن: معضلة النمو بين قصير المدى واستدامة المستقبل
وائل منسي
يعد فهم المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي أمرًا جوهريًا لصياغة سياسات تنموية فعّالة ومستدامة.
وفي هذا السياق، أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة بعنوان 'أثر الاستهلاك الأسري وإجمالي الاستثمار على الناتج المحلي الإجمالي: حالة الأردن'، عالجت بصورة مباشرة العلاقة الديناميكية بين الاستهلاك الأسري وتكوين رأس المال الثابت، وكيف يسهم كل منهما في تشكيل مسار الاقتصاد الوطني.
تكشف النتائج أن الاقتصاد الأردني يقوم في معظمه على الاستهلاك الأسري، إذ يشكل نحو 77.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل نسبة متدنية للاستثمار تبلغ 20.5%. هذا الخلل البنيوي يعكس اعتماد الاقتصاد على الطلب الداخلي أكثر من اعتماده على الاستثمار المنتج والتصدير، وهو ما يجعل النمو هشًا وقابلاً للتأثر السريع بأي صدمات اقتصادية أو اجتماعية.
الأرقام تشير إلى أن ارتفاع الاستهلاك الأسري الحقيقي بنسبة 1% يرفع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي بـ 0.516%، في حين أن ارتفاع الاستثمار بالنسبة نفسها لا يزيد النمو سوى بـ 0.274%.
هذه الفجوة تفسر سبب سيطرة الطابع الاستهلاكي على النمو، في حين يبقى الاستثمار ، رغم أهميته ـ متراجعًا في أثره، لكونه محدودًا أصلاً من حيث الحجم والنطاق.
لكن المسألة لا تقف عند حدود الاقتصاد الكلي، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي.
فاعتماد الأسر على الإنفاق المباشر، مع ضعف الادخار، يجعل المجتمع هشًا أمام أي ارتفاع في الأسعار أو تراجع في الدخل.
ومع ضيق قاعدة الاستثمار الإنتاجي، تتراجع فرص العمل، وتزداد معدلات البطالة، ما يدفع شرائح واسعة إلى الاعتماد على التحويلات الخارجية أو البحث عن الهجرة كخيار بديل.
هذه الديناميكية تعكس بدورها اختلالًا في العقد الاجتماعي، حيث تتحمل الطبقات الوسطى والفقيرة العبء الأكبر من التراجع الاقتصادي.
أما سياسيًا، فإن استمرار هذه المعادلة يضع الحكومة أمام تحديات حقيقية. فالاعتماد على الاستهلاك لتحفيز النمو قد يحقق نتائج سريعة في المدى القصير، خصوصًا إذا ارتبط برفع الأجور أو تخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية.
غير أن هذا الخيار يبقى مؤقتًا ولا يبني قاعدة إنتاجية صلبة، بل يفاقم هشاشة الاقتصاد ويعمّق تبعيته للدعم والمساعدات الخارجية.
وفي المقابل، فإن ضعف الاستثمارات الوطنية والمشاريع الإنتاجية الكبرى يقلل من قدرة الدولة على إقناع المواطنين بجدوى 'رؤية التحديث الاقتصادي' التي ترفع شعار التنمية المستدامة.
إقليمياً ودولياً، يؤدي هذا الاختلال إلى تضييق هوامش استقلالية القرار الاقتصادي - السياسي للأردن، فضعف الاستثمار المحلي يجعل الدولة أكثر حاجة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية أو الاعتماد على المنح والمساعدات، فيما يحدّ ضعفط التصدير من قدرة الأردن على الاندماج في سلاسل القيمة الإقليميةط والعالمية.
خلاصة القول، إن الأردن يعيش في إطار اقتصاد استهلاكي أكثر من كونه إنتاجيًا.
وعلى المدى القصير، قد يكون رفع القوة الشرائية للأسر وسيلة لدعم النمو، لكن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال تعزيز الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا والصادرات.
فبدون ذلك، يبقى النمو هشًا، والمجتمع مكشوفًا أمام الأزمات، والدولة عالقة بين ضغط الاستجابة الاجتماعية العاجلة والحاجة إلى إصلاح اقتصادي هيكلي طويل الأمد.