اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الشمال المشتعل… مواجهة غير معلنة مع حزب الله #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي
منذ اليوم الأول بعد حرب غزة، لم تهدأ الجبهة الشمالية لإسرائيل.
فبين صواريخٍ تُطلق من جنوب لبنان وطائراتٍ مسيّرةٍ تخترق الجليل الأعلى، تتكوّن معادلةٌ جديدة: حرب بلا إعلان، ومواجهة بلا نصر.
في الميدان، لا أحد يملك قرار البدء أو التراجع.
أما في تل أبيب، فالصمت العسكري يُغطّي على أكثر الأزمات تعقيدًا منذ حرب 2006 — أزمة الردع أمام حزب الله.
الجبهة التي تتنفس الخوف
الوثائق العبرية الصادرة عن لجنة الخارجية والأمن تُظهر حجم القلق من اتساع رقعة المواجهة.
قيادات الشمال حذّرت الحكومة من أن 'كل أسبوع يمرّ بلا حلّ سياسي، يقرّبنا من الحرب الكاملة”.
فالقصف المتبادل لم يعد حادثًا ميدانيًا، بل أصبح 'نظام تشغيلٍ دائم” على جانبي الحدود.
تقرير داخلي لوحدة التقييم في الجيش الإسرائيلي يصف الوضع بعبارة لافتة:
> 'نحن في حربٍ منخفضة الوتيرة، لكنها عالية التهديد.”
وهذا ما يجعل الشمال اليوم أكثر خطورةً من غزة: لأن النار هناك تشتعل في العقول قبل المدافع.
حزب الله… الخصم الذي لا يريد الحرب ولا يخشاها
رغم أن الحزب لم يعلن عن نيةٍ لفتح جبهة شاملة، إلا أن سلوكه الميداني يُظهر وعيًا استراتيجيًا دقيقًا.
كل صاروخٍ يُطلَق من لبنان، وكل طائرةٍ مسيّرةٍ تُخترق المجال الإسرائيلي، هي رسالة موزونة بعناية.
حزب الله يدير الإيقاع، بينما تردّ إسرائيل بانفعال.
التقديرات الإسرائيلية تعترف أن الحزب يمتلك أكثر من 200 ألف صاروخ، وأن منظومات 'القبة الحديدية” لم تعد قادرة على تغطية كل العمق.
لكنّ الخطر الحقيقي لا يكمن في السلاح، بل في المعادلة النفسية:
فالحزب يقاتل بعقيدةٍ دينية وشعبية، بينما يقاتل الجيش الإسرائيلي تحت ضغطٍ سياسي وشكوكٍ داخلية.
الجيش الإسرائيلي بين الحسم والمأزق
أكثر ما يقلق القيادات العسكرية في تل أبيب هو أن أي خطأ تكتيكي قد يشعل حربًا لا يمكن إيقافها.
ففي الوقت الذي يُطالب فيه بن غفير وبعض وزراء اليمين بتوسيع العمليات شمالًا،
يحذّر وزير الدفاع غالانت من أن 'الجبهة الشمالية قادرة على تدمير ثقة الجمهور بالدولة خلال أيام”.
الجيش نشر وحدات 'إيغوز” و'غولاني” على الحدود، ونقل جزءًا من منظومات الدفاع الجوي إلى صفد وكريات شمونة،
لكنّ تقارير ميدانية أشارت إلى تراجعٍ في الجاهزية، بسبب الإنهاك اللوجستي واستنزاف الموارد في غزة.
الجنرال عاموس يادلين كتب في يديعوت أحرونوت:
> 'نحن نحارب بجيشٍ منهكٍ في جبهتين، بينما العدو في الشمال يملك ترف الانتظار.”
البعد الأميركي في الجبهة الصامتة
رغم الخطاب العلني الداعم، فإن واشنطن تُعارض أي توسّع عسكري في لبنان.
مسؤول أميركي قال لقناة CNN Hebrew:
> 'لا يمكن لإسرائيل أن تخوض حربًا شمالية وهي لم تخرج بعد من ركام غزة.”
لذلك، كثّفت الولايات المتحدة ضغطها على نتنياهو عبر البنتاغون، مطالبةً بتجنّب التصعيد.
لكنّ المفارقة أن بعض قيادات الجيش الإسرائيلي ترى في الموقف الأميركي 'إضعافًا للردع”،إذ تعتبر أن حزب الله يقرأ التحفّظ الأميركي كضوءٍ أصفر للاستمرار في الضربات المحدودة.
الاقتصاد المرهق والداخل الغاضب كل يومٍ يمرّ من دون استقرار على الحدود الشمالية يكلّف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 150 مليون شيكل، فيما تجاوز عدد النازحين من المستوطنات الشمالية 80 ألف شخص.
قرى الجليل تحوّلت إلى مدن أشباح، والمزارع متروكة تحت خطر القصف.
صحيفة كالكاليست الاقتصادية نشرت تقريرًا بعنوان 'الشمال المنسي”،قالت فيه إن 'إسرائيل تخوض حربًا لا تعترف بها، لكنها تدفع ثمنها كأنها حربٌ مفتوحة”.
هذا النزيف المالي والمعنوي يُضعف تماسك الجبهة الداخلية ويُفقد الحكومة السيطرة على الرواية.
حتى الإعلام العبري بدأ يتحدث عن 'شمالٍ لا يثق بتل أبيب”، في إشارةٍ إلى الشعور بالتهميش لدى سكان تلك المناطق.
بين الردع والخوف
تتعامل إسرائيل مع حزب الله كما يتعامل المريض مع الألم المزمن: لا يستطيع الشفاء، ولا يحتمل الاستمرار.
كل صاروخٍ يُطلق من لبنان لا يُقاس بخسائره المادية، بل بوقعه النفسي في الداخل الإسرائيلي.
فبعد حرب غزة، صار الخوف هو العدو الأكبر — خوفٌ من مفاجأة جديدة، من سقوط الحدود، ومن عودة الجبهات إلى الداخل.
وفي المقابل، يراهن حزب الله على أن إسرائيل ستبقى أسيرة هذا الخوف،ولهذا يكتفي بإدارة المعركة على 'النبض” لا على 'الانفجار”.
منطق الاحتواء
في اجتماعات الكابينت الأخيرة، حاول نتنياهو تسويق استراتيجية 'الاحتواء الذكي”،لكن الواقع الميداني يثبت أن الاحتواء تحوّل إلى عجز.
فلا الحرب تنتهي، ولا الهدنة تُعلن، ولا الانسحاب ممكن.
الحدود أصبحت مرآة لأزمة أوسع: دولةٌ تفقد قدرتها على اتخاذ القرار لأنها فقدت الثقة بنتائج أي قرار.
هكذا، يتحول الشمال إلى مختبرٍ لقياس ما تبقّى من الدولة.
كل يومٍ من دون حسم، هو يومٌ إضافي من فقدان الردع.
وكل صاروخٍ من الجنوب اللبناني، يذكّر تل أبيب بأنها لم تعد تملك زمام المبادرة.
اصمت البنادق وضجيج العجز
في الظاهر، تبدو الحدود الشمالية 'هادئة نسبيًا”،لكن في الحقيقة، هذا الهدوء يشبه سكون البركان قبل الانفجار.
إسرائيل اليوم تقف بين نارين:
نار حربٍ لا تريدها، ونار خوفٍ لا تستطيع إطفاءها.
ومع كل ضربةٍ تُنفذها ضد أهدافٍ في الجنوب اللبناني،تدرك أن حزب الله لا يبحث عن النصر… بل عن استنزاف الزمن.
وفي لعبة الزمن هذه، يبدو أن إسرائيل تخسر دون أن تعلن هزيمتها.












































