اخبار الاردن
موقع كل يوم -الوقائع الإخبارية
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
الوقائع الإخبارية : ابتكار مالي يثير أسئلة فقهية في ظلّ توسّع منصّة باينانس وإطلاقها باقة عملات رقمية متوافقة مع الشريعة الإسلامية من Binance، شهد العامان 2024 و2025 موجةً واسعة من اعتماد شبكات البلوكتشين على خوارزمية إثبات الحصّة (PoS). بات بإمكان المستثمرين رهنَ عملاتهم (ستيكينغ) للمساهمة في أمن الشبكة ونيل مكافآت دوريّة. ومع هذا التطوّر التقني نشأ سؤالٌ مركزي لدى المستثمرين المسلمين: هل يُعَدّ هذا العائد ربحًا مشروعًا قائمًا على المشاركة، أم فائدةً ربويةً ؟ يستكشف هذا المقال أبعاد المسألة من منظورٍ تقني وشرعي، ويقدّم إطارًا عمليًّا لاتخاذ قرارٍ واعٍ.
أوّلًا: كيف يعمل الستيكينغ على باينانس؟ قفل الأصول: ينقل المستخدم عملاته من المحفظة الفورية إلى عقد مقيّد، إمّا لمدّة محددة (Fixed Staking) أو بصورة مرنة (Flexible). المشاركة في التحقق: تُجمَع الحصص المرهونة في مجموعات (Pools) تُرشَّح منها العُقد المدوِّنة للكتل، وفق خوارزمية PoS. توزيع المكافآت: تُحتسب المكافآت بناءً على نسبة مساهمة كل مستخدم في مجمل الحصص، وتُسدَّد دوريًّا بعملة الشبكة نفسها أو بعملة بديلة. المخاطر المحتملة: تقلُّب قيمة الأصل المرهون. احتمال تجميده لفترات يَصعُب فيها البيع. عقوبة Slashing التي تُقتطع عند سلوك خاطئ من المدقّقين. ثانيًا: الربا والقرض مقابل المضاربة والمشاركة جوهر الربا: ضمان الزيادة على أصل مال مُقترض عند حلول الأجل، بغضّ النظر عن الخسارة أو الربح. جوهر الستيكينغ: لا يُبرَم فيه عقد قرض، بل يُحتفَظ بملكية الأصل لصاحبه، والعائد يتغير وفق أداء الشبكة وظروف السوق، من دون ضمان مسبق. المضاربة الشرعية تشترط عدم ضمان الربح، وتقاسُم الخسارة تبعًا لنسبة رأس المال، ووضوح النشاط المُستثمَر فيه. فإذا توفرت هذه الشروط أمكن قياس الستيكينغ عليها، بشرط خلوّ البروتوكول من أنشطة مخالفة كالقمار أو الفائدة الثابتة. ثالثًا: مواقف فقهية معاصرة 1. اتجاه الجواز المشروط يرى أن مكافآت الستيكينغ تماثل أرباح المضاربة، شريطة تحمّل المستثمر للمخاطر، ووضوح آلية التوزيع، وألّا يُستثمر الأصل في مشاريع محرّمة.
2. اتجاه المنع يعتبر الستيكينغ إقراضًا مموَّهًا؛ لأن المنصّة تستفيد من العملات وتَعِدُ بنسبة دورية، فيقع في شبهة الربا خاصة عند تقديم «ضمان رأس المال» أو «عائد ثابت».
3. اتجاه التوقُّف يشترط فحص كل عقد وشبكة على حدة؛ إذ قد تتعاقد بعض البروتوكولات مع منصّات إقراض ربوي أو تتعامل في ألعاب قمار، فيختلط الحلال بالحرام.
رابعًا: معايير عملية للحكم الشرعي لمساعدة المستثمر على التمييز بين الستيكينغ المشروع والمشبوه، ننصح بفحص الجوانب الآتية:
ملكية الأصل: يجب أن يبقى الأصل باسم المالك على البلوكتشين، لا أن يتحول إلى دينٍ على المنصّة. تحمّل المخاطر: ينبغي عدم وجود ضمان لرأس المال أو أرباح ثابتة بغضّ النظر عن أداء الشبكة. طبيعة النشاط الأساسي: يتأكد المستثمر من خلوّ البروتوكول من أنشطة قمار أو إقراض بفائدة أو مشاريع محرّمة. شفافية التوزيع: تُنشَر آلية حساب المكافآت والرسوم بوضوح، مع إمكانية تدقيقها في السجل العام. إثبات الامتثال: يُفضَّل وجود تدقيق شرعي مستقل أو شهادة من هيئة معتبرة، مع إمكانية الاطلاع على البنود التفصيلية. خامسًا: «شريعة Earn» من باينانس – خطوة امتثال أم حلّ نهائي؟ في يوليو 2025 أعلنت باينانس إطلاق منتج «شريعة Earn»، وهو مسار مخصّص لتجميع بروتوكولات PoS التي اجتازت تدقيقًا شرعيًّا لدى Amanie Advisors. في بيان الإطلاق جاء التصريح التالي:
وقال ريتشارد تنغ، الرئيس التنفيذي لشركة بينانس: 'تلتزم بينانس بتوفير بيئة تداول شاملة تتميز بالشفافية. ونعمل من خلال هذا المنتج على تمكين المجتمع الإسلامي والمستثمرين الملتزمين بالشريعة الإسلامية من المشاركة في الثورة المالية الحالية في عصرنا. ولا يعتبر 'شريعة Earn' مجرد منتج مالي فحسب، بل يمثل خطوة '
أبرز ملامح المنتج قائمة مشاريع مُفلترة تستبعد البروتوكولات ذات الأنشطة المحظورة. تقارير دورية باللغة العربية توضّح مصادر الأرباح ومستوى المخاطر. عدم ضمان رأس المال، والتنويه الدائم بقابليته للخسارة. خدمة «تطهير الأرباح» لاقتطاع أي جزء ناتج عن رسوم غير شرعية قبل التوزيع. تنبيه: رغم أهمية هذه الخطوة، لا تعدّ الشهادة الشرعية ختمًا أبديًّا؛ فالواقع التقني يتبدل، وقد تطرأ تعديلات على العقود الذكية تستوجب مراجعة جديدة.
سادسًا: تقييم مدى انتفاء شبهة الربا غياب الضمان: إذا لم تقدّم باينانس أو البروتوكول أي تعهّد بردّ رأس المال كاملًا أو بتحقيق نسبة محدّدة، تضعُف شبهة الربا. مشاركة الخسارة: احتمال عقوبة Slashing يعني تحمّل المستثمر جزءًا من المخاطر، ما يقرّبه من عقد المضاربة. إفصاح البلوكتشين: قابلية تتبّع المحافظ ومقدار الحصص على السلسلة يمنح شفافية تماثل «تسجيل الحقوق» في الشريعة. تنوّع طبيعة الشبكات: وجود بروتوكولات تقدّم خدمات مالية ربويّة (كمنصّات الإقراض بفائدة ثابتة) يستدعي اجتنابها حتى لو كانت في قائمة PoS، لأن العبرة بنشاط المشروع لا بالتقنية فقط. سابعًا: نصائح عملية للمستثمر المسلم طالع شروط الخدمة بدقّة قبل رهن أي أصل، وتأكد من بند «عدم الضمان» للعائد أو رأس المال. وزِّع المخاطر: لا تضع نسبة كبيرة من محفظتك في مشروع واحد، فالتنويع ركن أساسي في إدارة المخاطر الشرعية والمالية. حدّد نيتك: استحضر قصد الاستثمار المشروع، واجتنِب نية الربح السريع بأقل مخاطرة عبر ضمانات مشبوهة. راقب العائد: إذا لاحظت أن النسبة أصبحت ثابتة دون تبرير تقني، فاستفسر أو انسحب، لأن الثبات قد يدل على تحويل الستيكينغ إلى قرض مضمون. استخرج الزكاة سنويًّا على مجموع قيمة الأصل والأرباح، قياسًا على عروض التجارة. تابع الفتاوى والهيئات: استفد من منصّات التدقيق الشرعي ومراكز الأبحاث كي تظل مطّلعًا على أي تغيّر في أحكام البروتوكولات. استعد للأسوأ: احسب سيناريو خسارة 30-40 ٪ من قيمة الأصل، بحيث لا يؤثّر ذلك في معيشة أسرتك أو التزاماتك الأساسية. ثامنًا: خلاصة الستيكينغ ليس رِبًا بذاته، ما دام خاليًا من ضمان رأس المال أو العائد، وما دام المستثمر يتحمّل الخسائر المحتملة. الحكم الشرعي يتفاضل بتفاصيل العقد: قد يكون جائزًا في بروتوكول، ومحرّمًا في آخر يطغى عليه نشاط ربوي. «شريعة Earn» خطوة إيجابية لكنها ليست صكّ براءة دائم، بل آلية تحسّن الشفافية وتقلل احتمالات الوقوع في الربا. المسؤولية الفردية أساسية: على المستثمر المسلم أن يجمع بين استشارة أهل الاختصاص الشرعي، وفهمٍ عميق للتقنية، وتقييم مخاطر السوق، حتى يحقّق مقاصد الشريعة في تنمية المال بعيدًا عن المحظورات. بهذا الفهم المتوازن، يمكن للمجتمع الإسلامي مواكبة الثورة المالية القائمة على البلوكتشين، مع صون المبادئ الشرعية وتحصيل منافع الابتكار الرقمي في آنٍ واحد.