اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة عمون الاخبارية
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك القيم، يطل علينا مشهد من أكثر المشاهد غرابة وإثارة للأسى: رجالٌ يجلسون في صدر المجالس، يتحدثون ببلاغة عن برّ الوالدين، وصلة الأرحام، والفضيلة، وتحرير الأوطان من الاستعمار والعملاء. كلمات منمقة، وخطاب يسرّ السامعين، لكنه في حقيقة الأمر مجرد قشرة لواقع متناقض.
فهؤلاء الذين يرفعون شعار برّ الوالدين هم أنفسهم الذين يودعون أمهاتهم دور المسنين، غير آبهين بالدمعة التي تنهمر من عينيها كل مساء. يتحدثون عن صلة الأرحام وهم أوائل من قطعها، يخاصمون إخوتهم لأجل ميراث أو دينار، ولا يتورعون عن زرع الفتن بين الناس ليستأثروا بالمكانة والنفوذ.
الأدهى من ذلك أنهم يتشدقون بالفضيلة في العلن، بينما في الخفاء يركضون وراء المال ولو كان من ربا أو معاملات محرمة، مفضلين الدينار على الدين، والسلطة على الأخلاق. يرفعون راية “نشر قيم الإسلام”، لكنهم في سلوكهم اليومي يبعدون الناس عن جوهر الدين.
إنها ازدواجية مؤلمة: خطاب عام يفيض بالمثاليات، وواقع خاص يطفح بالتناقضات. وما يزيد المشهد مرارة هو أن بعض الناس ما زالوا ينخدعون ببريق الكلمات، ويصفقون لأصحابها دون أن يجرؤوا على محاسبتهم أو كشف تناقضاتهم.
التاريخ الإسلامي يزخر بمواقف عظماء صدقوا القول بالفعل: من عمر بن الخطاب الذي كان يحمل الطعام ليلاً إلى بيوت الأرامل، إلى صلاح الدين الأيوبي الذي كان زاهداً في دنياه، يبيت على الأرض ويموت وليس في خزانته إلا دينار واحد. هؤلاء لم يكونوا بحاجة إلى خطب رنانة ليثبتوا صدقهم، بل كان فعلهم أبلغ من كل قول.
اليوم، ونحن نرى هذه الازدواجية، يصبح السؤال المطروح:
هل نحن أمام أزمة قيم، أم أمام أزمة ضمير؟
ما أحوجنا إلى أن نعيد قراءة التاريخ لا لنكتفي بالإعجاب، بل لنقارن بين من قالوا وفعلوا، وبين من يتحدثون ولا يعملون. بين من عاشوا لله وللناس، وبين من يعيشون لأنفسهم وللدينار..