اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
#المقاومة_المستحيلة
محمود أبو هلال
لا أحد يتحدث عن مقاومة متعافية تماما تفرض إرادتها من دون ثمن. فالكلفة باهظة، والخسائر التي تكبدتها خلال العامين الماضيين على جبهات الإسناد كانت موجعة وخفضت من سقف الطموحات، فضلا عن خذلان كبير. لكن مع ذلك، لا يمكن أن يتحدث أحد عن مقاومة مردوعة أو مكسورة. فهي ترمم ذاتها يوميا ، وتتألق في صمودها وقدراتها القتالية أمام عدو منهك غاصت أقدامه في رمال القطاع المتحركة وعالق بين كمائن الفصائل، ومرعوب من شدة اليد اليمنى الصلبة التي ما تزال تخبئ له المفاجآت.
لا أحد يستطيع فرض إرادته عليها، حتى لو كانت أمريكا التي يقودها رئيس شعبوي يخفي عنجهيته تحت أزمات خانقة تحاصر بلاده. لكنه يجد نفسه مضطرا لإنقاذ مجرم حرب منحه كل الوقت، ولم يفلح إلا في قتل الأطفال والنساء والدومار -باعتراف جنرالاته أنفسهم-.
هذه الحقيقة تدركها العقول المقاومة جيدا، بعيدا عن انهزاميتنا العاطفية التي تجعلنا مثل بندول يتأرجح.. ضربة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، بمشاعر متناقضة أشبه بمتابعة مباراة تنس. غير أن الأحداث تتحرك في عالم متغير، والعقول المفكرة في المقاومة تتقدم خطوة بخطوة وتسدد بدقة. وكل ما تمارسه على الصعيد السياسي ينبغي أن يُقرأ ضمن هذه القدرة على فهم التعقيد والتغيير.
كان من المطلوب أن نبني نحن أيضا على هذا الذكاء، وأن نستفيد منه في معالجة أوضاعنا الداخلية. المطلوب أن نكون في خطوط خلفية مؤهلة لدعم المقاتلين في خطوط التماس، لا أن نبقى مجرد أصوات تصرخ ثم تصمت. ليس من الحكمة أن نغرق حينا في زغاريد صاخبة ساذجة، ثم نتحول سريعا إلى نواح حزين مع كل عثرة. قد يساورنا أحيانا شعور بالخيبة أو أمل مبالغ فيه، لكن العقل البارد وحده هو المطلوب: عقل يدرك أن المعركة طويلة، وأن هذه الأمة فيها من يقاوم -رغم ارتفاع الضريبة-، وعقول تحسن الحرب والسياسة، وحواضن تعرف التضحية والصمود.
لقد كان يمكن لهذه الأمة أن تحقق انتصارا جليا لو أنجزت ما عليها في جبهات العمق، فصغرت الفجوات، وأعدت أسوار بيوتها لحماية ظهور المقاومين. لكننا اكتفينا بالمراوحة بين الزغاريد والنواح، بدل أن نكون سندا فعليا لهم.
في هذه الأمة محاور تنتصر وأخرى تنكسر. الفارق ليس في العتاد وحده، بل في العقول والإرادات: عقول نبيهة تصنع النصر، وأخرى كسيحة تجلب الهزيمة. فليَنصر الله المقاومين، وليتداركنا نحن برحمته