اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
حين جلس ترامب قرب الهاتف.. ينتظر رد حماس!!
حلمي الأسمر
من انقلاب الميدان إلى تحوّل الوعي الإنساني
من عاش على منطق 'القوة تصنع الشرعية'، وجد نفسه أمام واقعٍ جديد يقول إن الشرعية تصنع القوة!
العالم الذي كان يُدار من فوق، بدأ يسمع نبضه من تحت.
ومن كان يُقرّر مصير الآخرين بالهاتف، أصبح ينتظر مكالمةً من مقاومٍ في نفقٍ أو بين الركام.
....
منذ أن خُلقت السياسة الدولية الحديثة، كانت أمريكا هي من يضع الشروط، ويُحدّد المواعيد، ويُوزّع الأدوار.
تتّصل فتُجيب العواصم، وتُرسل إشارة فيرتجّ العالم.
لكن للمرة الأولى، نجد رئيس أقوى دولة في العالم — دونالد ترامب — يجلس قرب الهاتف منتظرًا ردّ حركةٍ محاصَرة داخل شريطٍ لا يتجاوز أربعين كيلومترًا.
ينتظر ردّ حماس على 'خطة السلام” التي أرادها تتويجًا لأسطورته السياسية وسِجلًّا يُخلّد اسمه في التاريخ.
وفور وصول ردّ حماس، أمر بترجمته ونشره بنفسه على منصته 'تروث سوشيال”، قبل أن يهاتف نتنياهو الذي رفض الردّ، معتبرًا إيّاه رفضًا مبطّنًا لأنه جاء بصيغة 'نعم ولكن”.
المفارقة أن ترامب احتفل بذلك الردّ وسارع إلى الترويج لـ'فرصة وقف إطلاق النار”، وكأنه وجد في كلمات حماس ما لم يجده في كل حلفائه.
المفارقة الكبرى: من يصغُر ومن يكبُر؟
يسأل البعض بمرارةٍ ودهشة:
هل صغرت أمريكا لتصبح بحجم حماس، أم أن حماس كبرت لتصبح بحجم أمريكا؟
السؤال في ظاهره مفارقة، لكنه في جوهره تعبير عن انقلاب الموازين.
فالذي عاش على منطق 'القوة تصنع الشرعية'، وجد نفسه أمام واقعٍ جديد يقول إن الشرعية تصنع القوة.
وهنا يكمن المعنى الخفي:
لم تصغُر أمريكا عدديًا، لكن صورتها تصغّرت؛
ولم تكبر حماس ماديًا، لكن رمزها تمدّد حتى ملأ الفراغ الأخلاقي للعالم.
من هيمنة القوة إلى قوة المعنى
لقد ظنّت واشنطن أن التاريخ يُدار من المكاتب البيضاوية، وأن القرار يصدر من فوق الطاولة.
لكن حماس، التي لا تمتلك طائرة ولا ميناءً ولا حليفًا رسميًا، قلبت المعادلة:
من يمتلك القرار في الميدان، يفرض إيقاع السياسة.
ومن يصمد عامًا بعد عام، يكتسب شرعيةً لا تُمنح في المؤتمرات، بل تُنتزع بالدم.
الذي تغيّر ليس موازين القوى فقط، بل مفهوم القوة نفسه:
القنبلة لم تعد تحسم، بل الإيمان بما تُقاتل لأجله.
والإرادة لم تعد رديفًا للجنون، بل جوهر البقاء في زمن الانهيار الأخلاقي العالمي.
المشهد الرمزي: ترامب أمام الهاتف
إن مشهد ترامب جالسًا قرب الهاتف منتظرًا ردّ حماس لا يُختزل في لحظةٍ سياسية فحسب،
بل في رمزٍ عميق لانكشاف الإمبراطورية أمام الفكرة.
ترامب، الذي اعتاد أن يَصدر فيُطاع،
جلس ينتظر من لا يملك إلا إرادته — ينتظر ردّ المقاومة.
هو الرجل الذي يقف على باب مكتبه زعماء وملوك،
لكنه في تلك اللحظة كان ينتظر من لا يملكون إلا صمودهم تحت الحصار.
إنها هزيمة للغطرسة وانتصار للمعنى:
حين تُجبِر المقاومة رئيسًا أمريكيًا على الإصغاء،
فقد تجاوزت حدود الجغرافيا إلى عمق الوعي الإنساني نفسه.
حماس كفكرة لا كتنظيم
الخطأ الفادح الذي ترتكبه العواصم الغربية والعربية طبعا خاصة تلك التي لم تزل تعتقد أن بإمكانها 'خنق' الفكرة؛ أنها ما زالت تتعامل مع حماس بوصفها 'تنظيمًا' يمكن استئصاله،
بينما الواقع أثبت أن حماس فكرة، والفكرة لا تُقصف.
هي التعبير الأكثر نقاءً عن كرامةٍ بشريةٍ ترفض الانحناء،
وعن عقيدةٍ سياسيةٍ ترى أن الضعف لا يُقاس بالحديد، بل بالهزيمة الداخلية.
ولذلك حين تكبر حماس في الوعي العالمي، تصغر أمريكا في صورتها الأخلاقية،
لأن العالم بدأ يرى بوضوح من يقصف ومن يُقصف، ومن يكذب ومن يصدق.
من الحدث إلى التحوّل الدولي
هذه اللحظة — حين انتظرت واشنطن ردّ غزة — لم تكن حادثًا عابرًا،
بل علامة على ولادة زمنٍ جديد.
زمنٍ تُعاد فيه صياغة مفاهيم 'الشرعية”، و'القوة”، و'المصلحة”، و'التحالف”.
فالعالم الذي كان يُدار من فوق، بدأ يسمع نبضه من تحت.
تلك هي العلامة الأولى على أفول الهيمنة الأمريكية الكلاسيكية،
وبداية تشكّل نظام دولي جديد تُحدِّده إرادة الشعوب لا أوامر المكاتب.
لقد تغيّر مركز الثقل الرمزي:
من واشنطن إلى غزة،
ومن 'البيت الأبيض” إلى البيت المهدوم الذي ما زال يرفع علمه رغم الغبار.
حين تخلع الإمبراطورية تاجها
ليست القضية أن ترامب جلس ينتظر،
بل أن الإمبراطورية نفسها خلعت تاجها دون أن تدري.
أن يجلس صاحب العرش بانتظار ردّ المقاوم،
يعني أن العرش اهتزّ، وأن المعنى صعد إلى مكانه الطبيعي في الوعي الإنساني.
فلم تصغُر أمريكا لتصبح بحجم حماس،
بل كبرت حماس لتصبح بحجم الفكرة التي لا تموت.
كبرت لأنها تمثّل الإنسان في لحظةِ صدقه القصوى،
حين يقف أعزلَ أمام الطغيان ويقول:
'لن أُسقط رايتي… ولو سقط السقف فوق رأسي.”












































