اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
من شاشة الهاتف إلى فوضى السوق… كيف تحوّل اللايف من فرصة إلى كارثة اقتصادية؟
كتب وسام السعيد - في زمن تسارعت فيه أدوات التسويق الرقمي، واندفع التجار نحو 'اللايفات” كطريق مختصر لزيادة المبيعات، وجد قطاع الألبسة نفسه اليوم أمام واقع اقتصادي مضطرب، أشبه بفقاعة انفجرت في وجه الجميع. ما بدأ كابتكار ذكي، انتهى إلى نزيف مالي جماعي وخسائر فادحة طالت المنتج والمستهلك والتاجر على حد سواء.
أولاً: كيف بدأ الانحدار؟
في البداية، كانت اللايفات فكرة عبقرية: تاجر يفتح بثًا مباشرًا، يعرض بضاعته، ويتفاعل مع الجمهور لحظيًا. البيع المباشر عبر الشاشة منح الزبون شعورًا بالثقة، والمنتج بدا قريبًا وواقعيًا لكن سرعان ما تحوّل هذا الأسلوب إلى سوق مفتوح بلا ضوابط.
التنافس الشديد بين التجار، والرغبة في 'الترند”، دفعت الكثيرين إلى بيع البضائع بأسعار تقل عن الكلفة فقط لجذب المشاهدات أو تصريف المخزون. وهنا بدأ الانهيار التدريجي.
ثانيًا: الخلل الاقتصادي في المعادلة
البيع المباشر عبر اللايفات أوجد ظواهر اقتصادية غير صحية:
1.انهيار هوامش الربح: التجار باتوا يبيعون بخصومات غير منطقية، مما أفقد السوق توازنه السعري وأفلس العديد من المحلات الصغيرة.
2.تدمير القيمة السوقية للمنتج: الزبون لم يعد يرى قطعة الملابس كمنتج يحمل جودة وسعرًا عادلًا، بل أصبح ينتظر 'حرق الأسعار” في اللايف القادم.
3.ارتفاع التكاليف الخفية: توصيل مجاني، تبديل مجاني، استرجاعات متكررة، ووقت ضائع في البث والإدارة. كل ذلك خلق تكاليف إضافية غير محسوبة.
4.سلوك استهلاكي غير رشيد: الزبائن أصبحوا يشترون بدافع الانفعال اللحظي أثناء اللايف، وليس الحاجة الفعلية. وبعدها تأتي موجة التبديل والندم.
ثالثًا: النتائج على السوق المحلي
•المحلات الواقعية فقدت زبائنها لصالح البث المباشر.
•المصانع المحلية تضررت لأن التجار لم يعودوا يطلبون إنتاجًا جديدًا بنفس الكميات.
•التاجر الصغير غرق في ديون بسبب الركض وراء 'الترند” دون دراسة السوق.
•الثقة بالمنتج المحلي تراجعت أمام الفوضى في التسعير والعروض الزائفة.
رابعًا: الجانب الاجتماعي والنفسي
'اللايفات” لم تكن مجرد تجارة، بل تحولت إلى استعراض اجتماعي. بعض التجار صاروا نجوماً أكثر من كونهم باعة، وبدأت المنافسة تأخذ طابع 'الشهرة واللايكات” بدل الجودة والخدمة.
المستهلك أيضًا وقع فريسة 'الاندفاع الشرائي” و”الخداع البصري”، حيث يتم التركيز على الإضاءة والمظهر أكثر من المضمون.
خامسًا: غياب التنظيم والرقابة
لا توجد حتى الآن جهة رسمية تنظم هذا النمط من البيع في أغلب الدول العربية.
النتيجة:
•تسعير عشوائي
•منتجات مقلدة
•غياب الضمان
•تضليل إعلاني دون مساءلة بل إن بعض 'اللايفات” تُدار من مستودعات أو شقق سكنية لا تملك سجلًا تجاريًا، مما يعني تهربًا ضريبيًا وضياعًا للحقوق القانونية.
الحلول المقترحة…
1.إصدار تشريعات واضحة تنظم البيع عبر البث المباشر وتفرض التسجيل والترخيص.
2.إلزام التجار بالإفصاح عن الأسعار الحقيقية والكلف لتجنب التضليل.
3.تحديد فترات للعروض الموسمية فقط لمنع 'حرق السوق” طوال العام.
4.دعم التجار الملتزمين عبر حملات توعية وتنظيمية من النقابات ووزارة الصناعة والتجارة.
5.تعزيز ثقافة الشراء الواعي لدى المستهلك من خلال حملات إعلامية.
إن ظاهرة لايفات الألبسة كشفت جانبًا مظلمًا من الاقتصاد الرقمي العشوائي: تسويق بلا تخطيط، ومنافسة بلا ضوابط، ومستهلك بلا وعي.
ما لم يُضبط هذا المسار تشريعيًا واقتصاديًا، فإن السوق المحلي سيتآكل من الداخل، وسنصل إلى مرحلة يصبح فيها 'البيع بالخسارة” هو القاعدة لا الاستثناء. التجارة ليست مجرد بث مباشر أو خصم مؤقت… بل قيمة، وثقة، واستدامة.












































