اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
رحيل ديفيد هيرست.. الصوت الحر الذي بشّر بزوال إسرائيل وتجاهله الإعلام
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني -
في الأسبوع الماضي وتحديدا يوم الإثنين 22 ايلول 2025، رحل الكاتب والمحلل الصحفي البريطاني ديفيد هيرست بهدوء بعد مسيرة امتدت لنحو خمسة عقود من التغطية المتخصصة لقضية فلسطين وقضايا الشرق الأوسط. جاء خبر وفاته متزامناً مع إعلان بريطانيا اعترافها بدولة فلسطين، وكأن القدر أراد أن يربط بين مسيرته الفكرية الملتصقة بالدفاع عن القضية الفلسطينية وبين هذا الاعتراف الرمزي للدولة التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية. غير أنّ خبر وفاته لم يجد صدى في وسائل الإعلام الغربية، ولا حتى في معظم المنابر العربية، وكأنّ صوت الحقيقة الذي كان يرفعه والمتمرّد على صوت الباطل السائد ظلّ غريباً حتى في لحظة رحيله.
هيرست مؤلف الكتاب المشهور'البندقية وغصن الزيتون:جذور العنف في الشرق الأوسط'، الذي شغل موقع رئيس التحرير لموقع ميدل إيست آي، لم يكن مجرد كاتب سياسي؛ بل كان صوتاً صريحاً في مواجهة الأكاذيب التي نسجتها الدعاية الصهيونية لعقود. لم يتردّد يوماً في تشبيه دولة الكيان ب'الحملات الصليبية' التي غرست وجوداً غريباً في الشرق ثم اندثرت، مؤكداً أن المصير نفسه ينتظر الكيان الصهيوني.
غزة.. 'فيتنام' فلسطين
في مقالاته الأخيرة، شبّه هيرست حرب الإبادة على غزة بحرب فيتنام، مذكّراً بأنّ الولايات المتحدة ربحت المعارك لكنها خسرت الحرب أمام صمود الفيتناميين وإرادتهم الفولاذية. ورأى أن إسرائيل تسير على النهج نفسه: قصف وتجويع وتدمير، لكنها في النهاية ستخرج مهزومة أمام عزيمة الفلسطينيين وتضحياتهم وصمودهم في غزة، تماماً كما انتصر الفيتناميون بدمائهم وتضحياتهم.
كتب هيرست أن إسرائيل قد تحقق 'انتصارات تكتيكية' في بعض المعارك، لكنها تخسر الحرب الاستراتيجية يوماً بعد يوم وستخرج مهزومة من هذه الحرب وستكون غزة نهاية نتنياهو وبداية النهاية لإسرائيل. وبين أن العالم بأسره بدأ يلتفت إلى حقيقة ما يجري، وأن الرأي العام الغربي لم يعد يتقبّل تبريرات الإبادة تحت شعار 'محاربة الإرهاب' و'معاداة السامية'.
العالم يحاصر إسرائيل
من بين ما أكّده هيرست أن التاريخ يعيد نفسه: فكما أطاحت حرب فيتنام برؤساء أمريكيين، فإن حرب غزة ستنهي مرحلة بنيامين نتنياهو وحكومته. واعتبر أنّ معادلة الانتصار الفلسطيني تقوم على عاملين أساسيين: إرادة الفلسطينيين في البقاء والدفاع عن أرضهم حتى الموت، وتحول الرأي العام العالمي خصوصاً في الغرب ضد إسرائيل. كتب: 'لم تعد خدعة اتهام معارضي الإبادة بمعاداة السامية تعمل، فقد انكسر السحر وباتت الشعوب ترى الحقيقة بأمّ أعينها، وأن الفوضى التي تبثها اسرائيل في في شتى ارجاء الشرق الأوسط ستلاحقها وتقضي عليها'.
وبين ان اسرائيل بقيادة نتنياهو تقوم بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارها ولافظا لها، وبذلك فهي تعيد الأولوية والمركزية للصراع الفلسطيني في العالم العربي بعد ان كادت اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية محو هذا الصراع من اجندات الأنظمة العربية.
تجاهل متعمّد
المفارقة الصادمة أنّ الصحافة الغربية التي ترفع شعار حرية التعبير، تجاهلت خبر وفاة أحد أبرز أصواتها وأكثرها تأثيراً في كشف زيف الرواية الصهيونية، وكذلك فعلت معظم وسائل الإعلام العربية التي خذلته حيّاً وميتاً. ربما لأن الرجل اختار أن ينحاز بلا مواربة إلى 'الحق الفلسطيني'، وهو خيار لم يكن مرحباً به في العواصم الغربية ولا في بعض العواصم العربية.
إرث لا يموت
رحيل ديفيد هيرست خسارة للصحافة الحرة، لكنه يترك وراءه إرثاً مكتوباً سيبقى شاهداً على أن الحقيقة لا تموت. فقد آمن أنّ إسرائيل، مهما بلغت قوتها العسكرية، تعيش مرحلة أفول حتمي، وأنّ غزة ليست مجرد بقعة محاصرة، بل 'فيتنام العصر الحديث' التي ستكتب نهاية المشروع الصهيوني كما كتب صمود الفيتناميين نهاية الاستعمار الأمريكي.