من عمّان إلى غزة: مبادرة تتصدى لسياسة التجهيل الإسرائيلية

من عمّان إلى غزة: مبادرة تتصدى لسياسة التجهيل الإسرائيلية

منصة 'جو أكاديمي للتعليم الإلكتروني' أبرمت أول اتفاقية شراكة وتعاون استراتيجية مع 'الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية'، من أجل المساعدة على عودة الحياة التعليمية إلى طلاب قطاع غزة.

حتى العِلم لم يسلم من عدوان 'إسرائيل'، وأضحى من أبرز ضحاياها. فالحرب الطاحنة على قطاع غزة وضعت العملية التعليمية في مهب الريح، بعد أن تعرضت المؤسسات التعليمية لتدمير ممنهج وأضرار جسيمة، من جراء القصف الإسرائيلي المباشر، أو بفعل تحويل بعض المدارس، التي لم تُدمَّر على نحو كامل، إلى ساحة حرب ومناطق عسكرية يتموضع فيها الجنود، ناهيك باستغلالها كمناطق لارتكاب المجازر وإعدام الفلسطينيين بعد أن كانت ملاذاً لمن ينشد العلم والتعليم.

سياسة تدمير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية قديمة جديدة، لكنها تجاوزت كل الحدود في هذه الحرب. فما تنتهجه 'إسرائيل'، على نحو متعمد، من خلال اعتداءاتها العسكرية، أدى إلى تدمير واسع النطاق وغير معهود، من أجل إلغاء البيئة التعليمية، من خلال تدمير جميع مقومات التعليم.

استهداف ممنهج

وكشفت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن 620 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة حُرموا من حقهم الأساسي في التعليم منذ بداية الحرب. ووفقاً لآخر إحصاءاتها، الصادر في 6 شباط/فبراير الجاري، فإن 4851 طالباً ارتقوا شهداء، بينما وصل عدد الجرحى منهم إلى 8227 جريحاً. أما ضحايا الكادرين التعليمي والإداري فبلغ عددهم 239 شهيداً، ووصل عدد المعتقلين إلى 901 معتقل.

فضلاً عن ذلك، أقدم 'جيش' الاحتلال الإسرائيلي على تعريض 351 مدرسة، للتدمير الكلي أو إلحاق أضرار كبيرة بها، وتوزعت بين المدارس الحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، 'الأونروا'.

هذه الإحصاءات لا تزال أولية، ومن المرجح أن يرتفع العدد، على نحو أكبر كثيراً، نتيجة استمرار ارتكاب الاحتلال حرب الإبادة الجماعية، ووجود أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى تحت الأنقاض، بالإضافة إلى وجود شهداء مجهولي الهوية، وعدد من المعتقلين لدى قوات الاحتلال.

بالإضافة إلى ذلك، تحوّلت المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين قسراً عن منازلهم، وأصبحت مكتظة وتئنّ تحت وطأة احتياجاتهم، بحيث يستخدم النازحون المقاعد الخشبية الخاصة بالطلاب للتدفئة والطهو بسبب عدم توافر الوقود والغاز، في حرب حصدت الأخضر واليابس.

وطاول الاستهداف 'الإسرائيلي'، وفق 'المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان'، 90% من الأبنية المدرسية الحكومية، التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة، بينما تُستخدم 133 مدرسة حكومية مراكز إيواء. وبحسب 'الأونروا'، فإنّ 1.9 مليون نازح يقيمون إمّا داخل 154 مركز إيواء يتبع لها، وإمّا قربها، وأغلبية هذه المراكز هي مدارس.

بصيص أمل

أرقام صادمة تشي بمستقبل قاتم للمسيرة التعليمية في قطاع غزة، حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، ليُعلَن عن أول مبادرة عربية لمدّ يد العون إلى طلاب القطاع الذين يعيشون واقعاً مأسَوياً، إذ أبرمت منصة 'جو أكاديمي للتعليم الإلكتروني' اتفاقية شراكة وتعاون استراتيجية مع 'الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية' للمساعدة على عودة الحياة التعليمية، والتي يتم بموجبها توفير محتوى تعليمي إلكتروني في المواد كافةً، لأكثر من 200 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة، من أجل استكمال تحصيلهم العلمي، كمرحلة أولى.

وبشأن الاتفاقية، قال رئيس الشراكات الاستراتيجية في منصة 'جو أكاديمي'، إيهاب أبو دية، في حديثه إلى الميادين نت، إن المحتوى التعليمي الإلكتروني مجاني ومتوافق مع المناهج الفلسطينية، مضيفاً أنه سيكون متوافراً للطلاب في جميع المراحل الدراسية، من الصف الأول حتى الثانوية العامة، كي لا تصاب العملية التعليمية بالشلل.

وفيما يتعلق بتوفير أجهزة الألواح الذكية 'التابلت'، والتي سيتم إدراج المنهاج الفلسطيني فيها، ستعمل الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية على جمع التبرعات لشرائها وإيصالها إلى طلاب غزة، بعد وقف العدوان الإسرائيلي، وفق أبو دية، الذي أكد أن مبادرة التعاون تسعى لتوفير الدعم وإيصاله إلى جميع طلاب القطاع بلا استثناء كمرحلة ثانية.

وأشار إلى أن القائمين على المبادرة يأخذون في الاعتبار انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت في قطاع غزة، الأمر الذي دفعهم إلى تسجيل المنهاج، وهو ما يسمح للطالب باختيار المكان والزمان، بحسب رغبته في متابعة المنهاج، فلا تعرقل الظروف عملية الدراسة.

ولفت أبو دية إلى أن المبادرة تأخذ في الاعتبار الوضع النفسي الذي يعانيه الطلاب بسبب الظروف الصعبة التي يمرون فيها، لذلك 'سيتم دعمهم بمواد خاصة بالصدمات النفسية، بحيث تم التواصل مع خبراء نفسيين لطرح محتوى ما بعد الصدمة'.

وكخلية نحل لا تهدأ، ينكبّ المتطوعون في مقر منصة 'جو أكاديمي' من أجل تسخير التكنولوجيا في خدمة التعليم، من خلال تحضير المنهاج الفلسطيني كخطوة أولى تمهد الطريق أمام طلاب العلم في قطاع غزة.

وفي حديثه إلى الميادين نت، قال أستاذ الأحياء زياد الزغول إن 'البرنامج يقوم بتسجيل الشرح للطلاب عبر الكاميرات، وبطريقة سلسة، كي يتمكنوا من استيعابها بسهولة'.

وأشاد الزغول بأيّ تطوعٍ لمعلمين ومعلمات بهدف تذليل الصعوبات والتحديات التي سيواجهها طلاب قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، في إطار الحرص على ضمان استمرار التعليم، مذكّراً بأن نسبة المتعلمين في القطاع تزيد على 96%، وهو مؤشر على أهمية التعليم بالنسبة إليهم كرسالة مقدسة وكسلاح لا يتخلون عنه حتى في أقسى الظروف وأحلكها.

من جهته، ثمّن رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، المبادرة الأردنية لدعم التعليم. وقال في حديث إلى الميادين نت، من قطاع غزة، إن 'هذه المبادرة، لإنقاذ قطاع التعليم في غزة، هي ذات بعد تضامني وطني وإنساني أردني نابع من اليقين بأن التعليم ضرورة ملحة لتمكين الأجيال من متابعة العملية التعليمية، كونها ركيزة التطور والتقدم في المجتمعات'، بينما أكد، في الوقت نفسه، أن خلق حلول للتخفيف من أعباء الحرب وآثاره المدمرة هو مسألة معقدة وشائكة، لكن الذي يسعى لدعم غزة لا يعدم الوسيلة.