اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣ أب ٢٠٢٥
التضامن مع غزة فعل مقاوم
كتبت سلام العكور - مع بزوغ الفجر ، وصوت الأذان ، فتح علي عينيه ونظر الى أمه التي تنام على يمينه وأخذ يتأمل ملامحها الشاحبة وملابسها الممزقة المتسخة .
كان ينظر اليها والحزن يملأ قلبه ، هو يعرف انها متعبة جدا فلم تتناول أدويتها منذ اشهر ،ولكن يجب ان يوقظها للصلاة ، لا وجود للماء الذي ستتوضأ به لكنها تصلي رغم ذلك ، هو يحبها ويحب صبرها ، يحب قوتها وصمودها بل وشموخها .
التف قليلا ونظر الى اختيه النائمتين بجانب بعضهما وهما تحتضنان ، لعل دفء الحضن يبدد الخوف، ويمنحهما بعض النوم .
قاطعه ألم بطنه الخاوي ، فاستدار على بطنه عله يخفف الألم الذي ظن أنه اعتاد عليه ، ولكن دون جدوى .
ومع الأذان الثاني ، اقترب من امه وهمس في اذنها ' أم علي '
،حاول ان يوقظها بلطف ' أم علي .. أم علي الغالية .. استيقظي يا حنونة .. ان الله ينادينا .. استيقظي وايقظي اختيّ لنداء الفجر ' .
حاولت ان تتكلم لكن فمها متحجر من شدة العطش ، عجزت عن الكلام ، اكتفت بايماءة بسيطة ، ونظرة تفيض بالشفقة .
نهضت واقتربت من بنتيها ، قبلتهما ، ضمتهما بصمت ، استيقظتا على وقع دقات قلب الام الخائف.
توضأوا او للدقة تيمموا بتراب الأرض المخضبة بدماء الشهداء ،واستعدوا جميعهم لاداء الصلاة ، لا صوت غير' الله اكبر ' ، يتخلله أنين الجوع، وبكاء مكتوم ممزوج برجاء لا ينطفىء .
وتحت خيمة رديئة متهالكة ، خلف محطة طبريا في مواصي خان يونس ، وبينما كانوا في صلاتهم ، سمعوا صوت الوحش الذي لا ينام .
وبدأ الصوت يقترب اكثر فأكثر ، والخوف يتمكن منهم شيئا فشيئا ، حتى سجدوا سجدتهم الأخيرة ....ياالله
في جنوب غزة ، كما في كل شبر من الأرض المقدسة ، يموت الناس بصمت وايمان ، يهجرون قسرا من بيوتهم الى أماكن تسمى ' آمنة' ، لكن الأمان بالله وحده .
وتحت الخيام التي لا تقيهم بردا او حرا ، يرزح المهجرون ،يقبضون على مفاتيح بيوتهم كما يقبضون على الحق ، بينما آلة الحرب الصهيوينة لم تبقِ حجرا على حجر .
ان الواقع المأساوي الذي يعيشه المهجرون - العطش ، الجوع ، الألم ، الاضطهاد - كل ذلك يعيشونه وحدهم ،لا يشاركهم فيه احد ،على عتبة حلم يبدو انه ابعد مما يحتمل ،وقد اوشكوا على لفظ انفاسهم الأخيرة .
انعدام كل أسباب النجاة لشعب مخذول ، واستمرار المجازر والانتهاكات، دفع دولا كبرى وجدت نفسها مضطرة للاعتراف ب 'الدولة الفلسطينية ' ، وبحق هذا الشعب الصامد بتقرير مصيره ، لا لأن الضمير قد استفاق أخيرا ، بل لأن المأساة أصبحت اكبر من ان تختفي خلف عبارات الشجب والتنديد .
سحب الأيادي المتواطئة مع الاحتلال والداعمة له ، وتعريتها أمام العالم، وتعزيز التعاطف الإنساني مع أطفال غزة المجوعين ، كفيل باضعاف هذا الكيان المارق ، حتى لو وقفت اميركا خلفه بكل قوتها ، فالمعادلة قد تنقلب ، والأوراق على طاولة المفاوضات قد تتبعثر حين يصبح الرأي العام أداة مقاومة بحد ذاته .
دعوات حركة المقاومة الباسلة بجعل الثالث من آب يوما إنسانيا عالميا للوقوف مع شعب غزة المناضل ، ليست سوى استعادة للذاكرة ، البعيدة والقريبة ، بأن هذه الحرب التي حرقت البشر والحجر مضى عليها قرابة العامين ، راح ضحيتها الكثير من الشهداء ،جلهم من النساء والأطفال ، استخدم فيها المغتصب الصهيوني كل أسلحة الدمار الشامل ضد شعب أعزل .
تحريك الرأي العام الدولي لايقاف المحرقة الصهيوينة ، وإخماد شلال الدم ، هو محاولة أخيرة لإنقاذ من تبقى ، وحتى لا يموت الميت مرتين : مرة بالقصف ، ومرة بالنسيان .
ماتت الأم ومات معها وجعها ، رافقها علي الذي لم يفرغ من صلاته ، لكن الأختين الممسكتين بايدي بعضهما ، فما زالت نبضات قلبيهما تصرخ من تحت الخيمة المحترقة ، تبحث عن حياة لم تكتمل .