أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة في الأردن: الأسباب والحلول

رم - بقلم : خالد الحميد الزبون

️ مقدمة

تمتاز الدولة الأردنية بتاريخ طويل من الاستقرار النسبي، رغم الأزمات الإقليمية والدولية التي أحاطت بها. ومع ذلك، تشهد العلاقة بين المواطن الأردني ومؤسسات الدولة حالة من التوتر والفتور، تتجلى في انخفاض نسب المشاركة السياسية، وتراجع الثقة بالأحزاب، والتشكيك بالخطاب الرسمي، واللجوء المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الإحباط والغضب.

هذه الأزمة، وإن لم تصل إلى حالة قطيعة، إلا أنها تمثل مؤشرًا مقلقًا يحتاج إلى قراءة معمقة وحلول جذرية.

أولًا: أسباب أزمة الثقة في السياق الأردني

1. الفساد وضعف المحاسبة

رغم الخطاب الحكومي المتكرر حول مكافحة الفساد، إلا أن شعور المواطن أن “كبار الفاسدين لا يُحاسبون” لا يزال حاضرًا بقوة. قضايا معروفة، مثل “الفتنة”، أو ملفات الطاقة والمياه، لم تُغلق بشفافية كاملة، ما عمّق حالة الشك في جدية الدولة في اجتثاث الفساد.

2. غياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية

يشعر شريحة واسعة من الأردنيين، خاصة في المحافظات، بأن التنمية والفرص محصورة في العاصمة عمّان، وأن هناك تمييزًا في فرص العمل والخدمات. البطالة، خصوصًا بين الشباب، وتزايد الفقر، وضعف الحماية الاجتماعية، كلها تغذي مشاعر التهميش.

3. ضعف فعالية المجالس المنتخبة

يرى كثير من المواطنين أن البرلمان ومجالس المحافظات لا تمثلهم فعليًا، وأنها مجرد أدوات شكلية بلا تأثير حقيقي على القرارات. ضعف الأحزاب السياسية، وتكرار نفس الوجوه، يخلق حالة من العزوف عن المشاركة السياسية.

4. الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي

عندما يتحدث المسؤولون عن “إنجازات كبرى” بينما يعاني المواطن من ارتفاع الأسعار وسوء الخدمات، تتعمق الفجوة بين المواطن والدولة. الوعود الحكومية لا تتحقق غالبًا، أو تُنفذ جزئيًا دون أثر ملموس.

5. تقييد الحريات العامة والإعلام

مع إصدار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد عام 2023، وتزايد الرقابة على التعبير، يشعر المواطن الأردني بأن المساحة المتاحة للنقد والتعبير تتقلص. وهذا يدفع كثيرين إلى فقدان الأمل في الإصلاح أو الحوار.

ثانيًا: الحلول الممكنة لتعزيز الثقة

1. تكريس الشفافية والمحاسبة العادلة

نشر تقارير مستقلة وعلنية حول الإنفاق العام ومحاسبة الفاسدين من مختلف المستويات دون انتقائية، من شأنه أن يعيد بعض الثقة بالمؤسسات الرقابية والقضائية.

2. إصلاح اقتصادي يراعي العدالة الاجتماعية

مطلوب توجه اقتصادي جديد يُعيد توزيع الفرص والمشاريع نحو الأطراف، ويعزز الاستثمار المحلي، ويخفض الاعتماد على الضرائب غير المباشرة، ويعالج البطالة بشكل حقيقي.

3. تفعيل الحياة الحزبية وتطوير البرلمان

يجب تنفيذ مخرجات التحديث السياسي بجدية، وخاصة دعم الأحزاب البرامجية، وتشجيع الشباب والنساء على المشاركة، وتقوية دور البرلمان في الرقابة والتشريع.

4. توسيع هامش الحريات والحوار

فتح المجال أمام الإعلام الحر، وحماية حق النقد والمساءلة، ودعم الصحافة المهنية، يسهم في تقوية العلاقة بين الدولة والمجتمع، بدلًا من ترهيب الأصوات الناقدة.

5. إعادة تعريف العلاقة مع المواطن

يجب على الدولة أن تتعامل مع المواطن كشريك في القرار، لا كمُتلقٍ فقط. وهذا يتطلب آليات تشاركية حقيقية، وتواصلًا فعّالًا يتجاوز الخطابات الرسمية المكررة.

خاتمة

أزمة الثقة بين المواطن الأردني ومؤسسات الدولة ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة لتراكمات يمكن تصحيحها إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة.

الأردن بلد يمتلك مقومات قوية: شعب مثقف، وموقع استراتيجي، وقيادة واعية. المطلوب اليوم هو تحويل الشعارات إلى سياسات، وإعادة بناء عقد اجتماعي جديد قوامه الكرامة والمواطنة والعدالة.