اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
حين يتغيّر الزمن… تتغيّر الأدوات وتتغيّر معها الأحكام الاجتماعية
كتب وسام السعيد - في الفقه الإسلامي قاعدة دقيقة تقول: «إذا ظهر الماء بطل التيمم». هذه ليست مجرد عبارة شرعية، بل فلسفة حياة تلخّص فكرة التطور:
عندما يظهر الأفضل، الأنقى، والأكمل… تصبح العودة إلى البديل القديم بلا معنى.
وهذه الفكرة تنسحب على تفاصيل حياتنا اليومية.
ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الطعام يُؤكل باليد، وبيّن لنا أدب الأكل وثقافته وكيفية الإمساك بالطعام بثلاثة أصابع تشبهاً بأكل الصقر، وهذا كان قمة النظافة والترتيب في وقته.
لكن الزمن تطوّر، وظهرت أدوات جديدة—الملعقة، الشوكة، السكين—رفعت معايير النظافة والاتيكيت إلى مستوى أعلى.
ولو كانت هذه الأدوات موجودة آنذاك، لكانت موافقة للمقصد الشرعي نفسه:
النظافة، احترام النعمة، وإتقان السلوك.
والمقصود هنا أن أخذ السُّنّة والتقيد بها يكمن في جميع مناحي الحياة الشرعية، بمقاصدها وقيمها الكبرى؛ أما أن نتمسك بجانب شكلي مثل الأكل باليد ونترك جوانب أهم في السلوك والأخلاق والمعاملات—فهذا لا يُعتبر تقيداً بالسُّنّة، بل فهماً ناقصاً لها.
الأصالة ليست في أن نكرر الشكل القديم، بل في أن نحافظ على القيم التي أرادتها السُّنّة: النظافة، الرقي، الأدب، احترام الآخرين، واحترام النعمة.
الأمر ذاته ينطبق على عشرات الأمثلة: الغسيل كان يتم في وعاء، واليوم توجد الغسالة. السراج كان يضيء البيوت، واليوم النور بضغطة زر.
النقل كان بدابة، واليوم بسيارة وطائرة. ومثلما لم يقل أحد إن استخدام الغسالة 'مخالفة للأصل”، فلا يمكن أن نعتبر التمسك ببعض السلوكيات القديمة فضيلة بحد ذاتها إذا كانت الأدوات الحديثة تحقق نفس المقصود—وربما تحقق مقصداً أعلى:
نظافة أدق، ترتيب أفضل، وروحانية أكثر وضوحاً ولهذا نجد أن استخدام الغسالة اليوم ليس خروجاً عن الأصل، تماماً كما أن استخدام أدوات الطعام ليس منافياً للسنة، لأن المقصد واحد والوسيلة تطورت.
ما نشاهده من بعض السلوكيات المنفّرة ليس مشكلة دين، بل مشكلة فهم. فالدين دين مقاصد، لا دين جمود على الشكل، ودليل ذلك القاعدة الذهبية:
إذا ظهر الماء… بطل التيمم.
أي إذا وُجدت الوسيلة الأكمل، فالتمسك بالأدنى ليس فضيلة. ليست دعوة للانتقاد، بل دعوة لإدراك أن التطور ليس خيانة للتراث؛ بل انتقال به إلى صورة أنقى تليق بزمن يعيش على سرعة الأدوات ورقيّ السلوك.












































