اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة عمون الاخبارية
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
* دور محوري في الاعتراف الدولي بدولة فلسطين
لم يكن الاعتراف الرسمي من بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين في 21 أيلول 2025 حدثاً معزولاً عن السياق السياسي والدبلوماسي، بل جاء تتويجاً لمسار طويل من الجهود المكثفة التي قادها الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني. فقد تبنى الأردن نهجاً استراتيجياً يقوم على الجمع بين الثوابت الوطنية والمرجعيات القانونية والقدرة على التواصل مع القوى العالمية، ليصبح صوتاً محورياً في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفي صياغة الرأي العام الدولي تجاه حل الدولتين.
منذ عقود، اعتبر الأردن قضية فلسطين قضية وطنية عليا، لكن التحولات الأخيرة أظهرت بجلاء كيف استطاع الأردن أن يترجم هذا الثبات السياسي إلى خطوات عملية ملموسة. فقد جاءت اتصالات ومشاورات الملك عبد الله الثاني مع قادة بريطانيا وأستراليا وكندا لتشكل رافعة سياسية ضاغطة، أسهمت بشكل مباشر في اتخاذ تلك الدول قرارها التاريخي بالاعتراف الرسمي بفلسطين. وقد كان لقاء جلالة الملك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في تموز 2025 نقطة مفصلية، حيث ناقش الطرفان 'خارطة طريق للسلام' تضمنت بوضوح خيار الاعتراف بفلسطين كآلية لإنقاذ حل الدولتين من الانهيار، وكشفت هذه الخطوة عن مدى تأثير الدبلوماسية الأردنية في دوائر صنع القرار الغربي.
تميزت الجهود الأردنية في هذا السياق بأنها لم تقتصر على القنوات الرسمية فحسب، بل انطلقت على عدة مستويات، شملت المستوى القانوني الذي وظف الأردن فيه المرجعيات الدولية مثل قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لتدعيم الموقف الفلسطيني، والمستوى الإنساني الذي ركّز على تسليط الضوء على المعاناة في غزة والضفة الغربية وربطها بضرورة الاعتراف السياسي لوقف دوامة العنف، إضافة إلى المستوى السياسي الذي حرص على تعزيز التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا لضمان تحالف دولي متماسك لصالح الاعتراف، وأخيراً المستوى الرمزي الذي استثمر فيه الأردن مكانته الخاصة باعتباره صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس لتثبيت البعد الديني والروحي للقضية.
الاعتراف الثلاثي بدولة فلسطين لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل مثل تحولا جيوسياسياً عميقاً، وهنا يبرز الدور الأردني في ثلاثة أبعاد أساسية، أولها إعادة تشكيل المزاج الدولي بفضل خطاب الملك المتوازن أمام المحافل الدولية، مما دفع عدة دول لإعادة صياغة مواقفها التقليدية تجاه فلسطين، وثانيها خلق زخم سياسي جديد أدى إلى دفع فرنسا والبرتغال ودول أوروبية أخرى للحاق بركب الاعتراف، ما وسّع الدائرة الدولية المؤيدة لفلسطين، وثالثها إحياء حل الدولتين، حيث نجح الأردن في تثبيت الاعتراف كأداة أساسية للحفاظ على خيار الدولتين في وقت كانت فيه إسرائيل تسعى لدفنه عبر التوسع الاستيطاني.
يؤكد هذا التطور أن الأردن لم يكن مجرد طرف داعم، بل كان بمثابة جسر استراتيجي بين العالمين العربي والغربي، فقد استطاع بفضل مكانته الدولية وعلاقاته المتوازنة أن يترجم الموقف العربي الثابت من القضية الفلسطينية إلى قرارات دولية مؤثرة، وهو ما يعكس قدرة الدبلوماسية الأردنية على الجمع بين الانتماء العربي والانفتاح العالمي. ويظل الاعتراف التاريخي من بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين محطة مفصلية في مسار النضال الفلسطيني، لكنه أيضاً شهادة عملية على نجاح الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك عبد الله الثاني، حيث أثبت الأردن أنه لاعب محوري في صياغة السياسات الدولية المتعلقة بفلسطين، وأنه قادر على تحويل المواقف المبدئية إلى خطوات ملموسة على الأرض، وفي وقت لا تزال فيه التحديات ماثلة، فإن ما تحقق في أيلول 2025 يؤكد أن الأردن سيبقى حجر الأساس في أي مسعى دولي جاد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك المدخل الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة.