اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
زهران ممداني يربح بالديمقراطية، وبلدياتنا تخسرها بجرة قلم
د. معن علي المقابلة
لا شك أن فوز زهران ممداني بمنصب رئيس بلدية نيويورك شكّل حدثًا لافتًا على الساحة الأمريكية والعالمية، فالشاب الذي لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، وُلد في كمبالا لأبوين مهاجرين مسلمين من أصول أوغندية، وتمكّن من الوصول إلى أحد أكثر المناصب نفوذًا في الإدارة المحلية الأمريكية.
غير أن الحماس العالمي تجاه هذا الحدث يحتاج إلى شيء من التوازن والقراءة الهادئة.
فممداني لم يُنتخب رئيسًا لدولة، بل رئيسًا لبلدية، مهما بلغت أهميتها.
صحيح أن ميزانية نيويورك تفوق ميزانيات كثير من الدول، وأن تأثير قراراتها يمتد إلى ما وراء حدودها، لكنها في نهاية المطاف تبقى مدينة أمريكية تُدار ضمن نظام اتحادي واضح الصلاحيات.
ومع ذلك، فإنّ رمزية هذا الفوز تتجاوز حدود المنصب نفسه. فهي تعبّر عن تحوّل تدريجي في المزاج السياسي الأمريكي، وعن قدرة المهاجرين والأقليات على اختراق البنية التقليدية للمشهد السياسي، حتى في ظل مقاومة اللوبيات القوية، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني الذي لم يُخفِ اعتراضه على صعود ممداني، خصوصًا بعد تصريحاته الجريئة بشأن الحرب على غزة وموقفه من السياسة الإسرائيلية.
لكن الأهم من رمزية الحدث هو ما يكشفه من فارق في مفهوم الحكم المحلي والديمقراطية التمثيلية بين ما يجري هناك وما يجري في بلداننا.
ففي نيويورك، رغم كل التعقيدات والمصالح، يبقى رئيس البلدية منتخبًا مباشرة من الناس، خاضعًا للمساءلة، ومُقيَّدًا بسلطة الرأي العام والإعلام والمجتمع المدني.
أما في كثير من بلداننا، فالأمر يسير في الاتجاه المعاكس: المجالس البلدية تُنتخب فعلاً، لكنّ مصيرها يبقى مرهونًا بقرارٍ إداري من جهةٍ أعلى، قد تُلغى في لحظة، كما حدث مؤخرًا عندما حُلّت عشرات المجالس البلدية المنتخبة قبل انتهاء مدتها القانونية بقرار من وزير الإدارة المحلية، دون نقاش أو مساءلة، ودون اعتراض يُذكر من رؤسائها، باستثناء موقفٍ لافت سجّله رئيس بلدية إربد الدكتور نبيل الكوفحي الذي عبّر علنًا عن رفضه لهذا النهج.
هذا المشهد يختصر الفرق بين ديمقراطيةٍ تُدار من القاعدة إلى القمة، وأخرى تبدأ من القمة وتنتهي عندها.
في النموذج الأول، إرادة الناس هي مصدر الشرعية، وفي الثاني، تتحوّل الانتخابات إلى طقس شكلي لا يغيّر شيئًا في معادلة السلطة.
ربما لا يغيّر انتخاب زهران ممداني وجه السياسة الأمريكية، لكنه يذكّرنا بمعنى الفعل الديمقراطي الحقيقي: أن يُمنح المواطن الحق في الاختيار والمحاسبة، وأن تُصان نتائج الصندوق من تدخلات السلطة التنفيذية.
أما نحن، فما زلنا نعيش في مفارقة غريبة: نُجري الانتخابات لنثبت أننا ديمقراطيون، ثم نُلغي نتائجها حين لا تعجبنا، وكأن الديمقراطية خيار إداري، لا مبدأ وحقٌّ عام.












































