اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
جعفر حسان: امتعاضٌ غير مبرر ومنطقٌ لا يصمد امام الارقام #عاجل
الدين العام ومستوى الضغط على النفقات الجارية
كتب - د. واصل المشاقبة
وفي هذا الاطار، تُظهر المؤشرات المالية ان نسبة خدمة الدين الى الايرادات العامة باتت تشكّل عبئا متزايدا على النفقات الجارية. فبحسب تقرير وزارة المالية للربع الثاني من عام ٢٠٢٥، بلغ اجمالي الدين العام نحو ٣٥،٣ مليار دينار، اي ما يعادل ٩٠،٩٪ من الناتج المحلي الاجمالي بعد استثناء احتياطات الضمان الاجتماعي، فيما وصل صافي الدين المحلي الى ١٣،٤ مليار دينار، اي ما يقارب ٣٤.٦٪ من الناتج المحلي.
كما تشير تقديرات وكالة التصنيف الائتماني S&P الى ان كلفة خدمة الدين ستشكل نحو ١٢،٣٪ من اجمالي ايرادات الحكومة خلال الفترة ٢٠٢٥–٢٠٢٨، وهو مستوى مرتفع مقارنة بالمعايير الدولية للدول ذات التصنيف الائتماني المماثل. وتشير بيانات عام ٢٠٢٤ الى ان كلفة خدمة الدين بلغت نحو ١،٩٦ مليار دينار، اي ما يفوق مجمل الانفاق المخصص للتعليم والصحة مجتمعين، ما يعكس حجم الضغوط التي تستهلك الموارد المالية العامة.
الرد الحكومي وادعاءات التسديد
ورغم هذا الواقع المالي الصريح، تبدو حكومة جعفر حسان ماخذة على خاطرها وفي حالة من الامتعاض بعد ان وُصفت بأنها الاكثر استدانة بين الحكومات الاردنية المتعاقبة. وقد عبّر مسؤولوها، الى جانب عدد من الكتّاب المدافعين عن سجلها الاقتصادي، عن استيائهم من هذا التوصيف، معتبرين ان ما تم نشره لا ينصفهم.
فهم يرون ان الجزء الاكبر من المبالغ التي تم استدانتها خلال فترة توليهم لم يكن بهدف التوسع في الانفاق او تمويل مشاريع جديدة، بل لتسديد ديون سابقة وخدمة التزامات مالية ورثوها عن حكومات سابقة. ويشيرون، بكل خفة، الى ان الحكومة اقترضت فقط ٩٠٠ مليون دينار، وكأن هذا الرقم لا يستحق الوقوف عنده، ولا يُرتّب تبعات مالية سيتحملها الاردنيون لسنوات طويلة.
فالتقليل من حجم هذا الاقتراض يوحي وكأننا نتحدث عن مبلغ هامشي، لا عن التزام سيادي يُضاف الى كاهل الدولة ويُسدد من جيب المواطن، بفوائد مركبة ومسارات تمويلية معقدة.
وما يُغفل في الخطاب الرسمي هو ان كل قرار بالاقتراض لا ينتهي عند لحظة التوقيع، بل يُطلق سلسلة من الالتزامات المالية طويلة الاجل، تبدأ بسداد اصل القرض ولا تنتهي عند خدمة الدين المترتبة عليه. فالحكومة الحالية، التي تُبدي امتعاضها من وصفها بالأكثر استدانة، تُراكم اليوم التزامات سيادية ستصبح عبئا مباشرا على الحكومات الاردنية القادمة، تماما كما تشكو هي الان من التزامات ورثتها عن سابقاتها. فالـ٩٠٠ مليون دينار التي تم اقتراضها ليست مجرد رقم في سجل مالي، بل نقطة انطلاق لمسار تمويلي يُضاف الى اجمالي الدين العام، ويُرتّب فوائد مركبة ومدفوعات دورية تقيد خيارات السياسات الاقتصادية مستقبلا. وما يُزرع اليوم من مديونية، سيحصد غدا على شكل ضغوط مالية، وتصنيفات ائتمانية، وموازنات مثقلة بخدمة دين لا تنتهي.
مسؤولية الحكومة في السياق التاريخي
لكن هذا المنطق، وان بدا دفاعيا في ظاهره، لا يصمد امام التحليل الفني ولا ينسجم مع المعايير الوطنية في تقييم الاداء الاقتصادي. فحكومة جعفر حسان، كغيرها من الحكومات الاردنية، هي جزء لا يتجزا من الدولة الاردنية، وتتحمل مسؤولية ادارة المالية العامة ضمن السياق الكلي، وليس ككيان منفصل يُحاسب فقط على ما يختاره من بنود. وعندما يقوم صندوق النقد الدولي او وكالات التصنيف الائتماني بتقييم الاداء الاقتصادي الاردني، فانها لا تستثني حكومة بعينها، بل تنظر الى الاثر التراكمي للسياسات المالية، بما في ذلك حجم الدين العام، هيكله، وتوجهاته.
ولا يمكن فصل سجل الحكومة الحالية عن السياق التراكمي للسياسات المالية التي ساهم رئيسها في صياغتها على مدى اكثر من عقد. فجعفر حسان لم يكن مجرد مشارك عابر في الحكومات الاردنية، بل شغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في ست حكومات متعاقبة بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٣، بدءًا من حكومة سمير الرفاعي الاولى، مرورا بالبخيت والخصاونة والطراونة، وصولا الى حكومة عبداللة النسور الاولى.
خلال هذه الفترة، ارتفع الدين العام من نحو ١٠،٣ مليار دينار في نهاية ٢٠٠٩ إلى ما يزيد عن ١٧،٣ مليار دينار في الربع الاول من ٢٠١٣، اي بزيادة تراكمية تقارب ٦ مليارات دينار، وفق تقديرات تحليلية تستند إلى بيانات وزارة المالية.
هذا المسار التصاعدي لا يمكن عزله عن طبيعة السياسات الاقتصادية التي تبنتها تلك الحكومات، والتي كان حسان جزءا فاعلا من فرقها الاقتصادية. فحتى في الحكومات القصيرة الأجل، مثل حكومة الخصاونة او الطراونة، شهدت المالية العامة زيادات ملموسة في حجم الدين، ما يعكس نمطا متكررا من الاعتماد على الاقتراض كأداة تمويلية شبه دائمة، بدلا من اصلاح هيكلي حقيقي في الايرادات والنفقات. وبالتالي فان محاولة تقديم الحكومة الحالية وكأنها ضحية لسياسات سابقة، او انها تكتفي بتسديد التزامات ورثتها، تتجاهل حقيقة ان رئيسها كان مساهما مباشرا في صياغة تلك الالتزامات، وان الدين العام الذي يُسدد اليوم هو نتاج قرارات شارك في اتخاذها بالامس.
المعايير السيادية والمسؤولية الوطنية
فالتقييمات السيادية لا تُبنى على نوايا الحكومات او تبريراتها، بل على الاثر المالي الفعلي، بغض النظر عن مصدر الدين او دوافعه. وهذا ما يجعل من محاولة الفصل بين 'دين خدمة الدين” و”دين الانفاق” طرحا لا ينسجم مع المعايير العلمية، ولا يراعي مقتضيات المهنية، أو المسؤولية الوطنية والأخلاقية، او حتى الاطار القانوني الذي يُفترض ان يحكم ادارة المال العام.
القول ان الحكومة ليست مسؤولة عن الدين لانها تسدد التزامات سابقة يعكس ضعفا في الفهم المؤسسي للمالية العامة. فخدمة الدين ليست خيارا سياسيا، بل التزام سيادي غير قابل للتجزئة، ولو افترضنا جدلا ان الحكومة قررت عدم تسديد هذه الالتزامات، فإن نتائج ذلك لا سمح اللة، ستكون كارثية: فقدان الثقة بالقدرة الائتمانية للدولة، انهيار التصنيف السيادي، ارتفاع كلفة التمويل على القطاعين العام والخاص، وتعريض احتياطيات البنك المركزي لضغوط حادة.
لا مكان للزعل في لغة الأرقام يا رئيس الحكومة
الادارة الرشيدة للدين العام لا تقاس بنوايا الحكومة او تبريراتها بل بقدرتها على توظيف الاقتراض لتحريك النمو وتحسين كفاءة الانفاق العام. فالارقام وحدها تنطق، وهي اليوم تُظهر اتجاها تصاعديا لا يمكن انكاره. اما الدفاع عن هذا الاتجاه بعبارات التجميل او المقارنات الانتقائية، فهو مجرد هروب من مواجهة الحقيقة المالية الواضحة.
فالمسؤولية الاقتصادية لا تُقاس بالانفعال، بل بالقدرة على مواجهة الارقام، وتحويلها الى ادوات اصلاح لا أعذار للتبرير.












































