اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إيران وحزب الله بين معادلات الردع… وسيناريو “الضربة الموجعة” التي تخشاها إسرائيل #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي
في الأمسيات التي يبدو فيها المشهد الإقليمي ساكنًا في ظاهر الأخبار، تتحرك تفاصيل دقيقة تحت الأرض، كأن الشرق الأوسط يلتقط أنفاسه قبل جولة جديدة من الاضطراب. وفي لحظة تتزاحم فيها الرسائل بين طهران وبيروت وتل أبيب وواشنطن، يعود ملف إيران وحزب الله إلى الواجهة، لا باعتباره امتدادًا لصراع قديم، بل باعتباره مركز ثقل يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة، وسط تقديرات إسرائيلية وأميركية متناقضة، وسرديات تحاول كل دولة أن تستعملها لخدمة صراع الوعي قبل صراع الصواريخ.
التقارير الإسرائيلية الأخيرة – خاصة 'إسرائيل اليوم” – قدّمت رواية واحدة:
إيران ضعيفة، حزب الله مُنهك، والردّ غير متوقع.
لكن القراءة الأكثر اتزانًا تكشف أن الصورة أعقد، وأن طهران ليست في وضع الانهيار، ولا حزب الله مستعد لتسليم 'سكاكين المطبخ” التي طالما احتفظ بها للصقور في مجلسه العسكري.
طهران بين شروخ الداخل وعضلة الردع
لا شك أن إيران تمرّ بمرحلة داخلية صعبة.
جفاف هو الأسوأ منذ قرن، مدن تحصل على ساعات محدودة من المياه، تضخم يقضم قيمة العملة، انقطاعات كهرباء، وحرائق التهمت غابات اليركانيون التي تعتبر جزءًا من هوية إيران البيئية.
بل إن بعض الأكاديميين داخل طهران تحدثوا عن 'تفكك صامت” في الإدارة المحلية.
لكن هذه الصورة القاتمة يجب ألا تُقرأ وحدها.
فإيران التي قاتلت ثماني سنوات ضد العراق في ظروف أشدّ قسوة مما تعيشه اليوم، خرجت من الحرب أكثر قوة سياسيًا وعسكريًا.
الدولة التي تتحمل حروبًا طويلة ليست دولة هشّة، بل دولة تعرف كيف تدير ضعفها، وكيف تحول أزماتها إلى دوافع لصياغة نفوذ جديد.
ومع كل الضغط الداخلي، لا تزال طهران تملك قدرة حقيقية على إنتاج السلاح، وإعادة بناء ترسانتها الباليستية، وتطوير برامج دفاعية بمساعدة تقنية صينية وروسية. القيود موجودة، لكنها لم تصل إلى حدّ الشلل.
حزب الله… بين جناحَي الصقور والحمائم
التقديرات الإسرائيلية غالبًا ما تُصنّف الحزب كجسم واحد متجانس، بينما الواقع مختلف تمامًا. فداخل حزب الله مدرستان واضحتان:
1. جناح الصقور
يرى أن الرد حقّ ثابت، وأن الاغتيالات المتلاحقة – خاصة اغتيال رئيس الأركان – لا يمكن أن تمرّ دون عقاب.
هذا الجناح يؤمن بأن الحزب قادر، رغم الخسائر، على توجيه ضربة نوعية تعيد تثبيت ميزان الردع.
2. جناح الحمائم
أكثر اهتمامًا بحماية بنية الحزب، وإبعاد لبنان عن حرب شاملة.
يفضّل الردّ خارج الحدود أو عبر توقيت طويل النفس.
لكنّ الحقيقة أن 'الصقور” لا يزالون يمسكون بالمطبخ العسكري.
وسؤال إسرائيل اليوم ليس: 'هل سيرد الحزب؟”
بل: 'متى يقترب الحزب من لحظة يرى فيها أن الصمت أكثر كلفة من الرد؟”.
هل تستطيع إيران منع حزب الله من الرد؟
التقديرات الأميركية تُرجّح ذلك، لكن الأدلة العملية أقل وضوحًا.
فإيران لم تمنع الحزب من الرد عام 2006، ولا في الاشتباكات الحدودية التي تلاحقت بعد اغتيال قادة كبار.
والحزب نفسه، بحكم قوته وعمقه المحلي، لم يعد ذراعًا منفردة تُدار من طهران بقدر ما هو شريك مستقل في 'محور المقاومة”.
طهران قد تؤثر…
قد تُبطئ…
قد تضبط الإيقاع…
لكنها لا تستطيع إغلاق قرار الرد بالكامل، خاصة إذا شعر الحزب أن اغتيال قادته أصبح 'معادلة مستباحة”.
خيارات حزب الله الأربعة
من خلال قراءة المصادر العبرية ومقارنتها بالتحركات العملياتية على الأرض، تقف خيارات الحزب عند أربع مسارات:
1. رد مباشر في لحظة محسوبة
ضربة نوعية ضد موقع أو موكب إسرائيلي، تعيد فرض معادلة الدم بالدم.
2. عملية مركبة خارج الجغرافيا اللبنانية
استهداف هدف إسرائيلي أو يهودي في الخارج.
3. الاستعانة بالحوثيين
إطلاق مسيّرات أو صواريخ بعيدة المدى، تمنح الحزب هامش الإنكار.
4. تأجيل الرد
وهو احتمال قائم، لكنه الأخطر داخليًا على وحدة الحزب.
هل فعلاً إسرائيل مطمئنة كما تصوّر نفسها؟
الرواية الإسرائيلية تجعل القارئ يظن أن إسرائيل تسير واثقة بلا خوف.
لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية – وليس الإعلام – تحمل قلقًا حقيقيًا:
– صواريخ الحزب الدقيقة التي قد تصل إلى وسط إسرائيل
– المسيّرات الحوثية طويلة الذراع
– خلايا عراقية وسورية يمكن تفعيلها في أي لحظة
– جبهة داخلية إسرائيلية لا تتحمل حربًا طويلة
– انقسام واضح بين الجيش والقيادة السياسية
– خوف من 'ضربة موجعة” تأتي في لحظة غفلة، تقلب السردية بالكامل
ولهذا السبب، رغم الاغتيالات المؤلمة، لم تقترب إسرائيل خطوة واحدة من حرب مباشرة مع إيران.
إيران… بين تفكك الداخل ومهارة إدارة الفوضى
التقارير العبرية تبالغ في وصف إيران بأنها 'دولة على حافة الانهيار”.
لكن الانهيار له علامات واضحة لا تنطبق على إيران:
– لا يوجد تفكك أمني
– لا انهيار مؤسساتي شامل
– لا تفكك في الجيش
– لا مناطق سقطت خارج السيطرة
– لا نخب سياسية خرجت من النظام
الداخل الإيراني متعب… لكنه ليس منهارًا.
والنظام الإيراني بارع – تاريخيًا – في إدارة الفوضى دون السماح أن تتحول إلى سقوط.
الضربة التي تخشاها إسرائيل
خلافًا للدعاية الإسرائيلية، الخوف الحقيقي داخل تل أبيب ليس من ردّ كبير… بل من ضربة واحدة، نوعية، مفاجِئة، في توقيت غير متوقع، تجعل إسرائيل تبدو مكشوفة.
ضربة واحدة فقط قد تغيّر المزاج الإقليمي، وتعيد تثبيت صورة حزب الله، وتخلط حسابات واشنطن.
لهذا تحسب إسرائيل ألف حساب، وتعمل استخباراتيًا ليلًا ونهارًا لمنع 'الضربة الموجعة”.
النهاية المفتوحة التي تُقلق الجميع
بين طهران التي تتنفس تحت ضغط الداخل، وحزب الله الذي يقف بين تيارين، وإسرائيل التي تخشى أكثر مما تقول… تبقى المنطقة أمام مشهد مفتوح.
قد لا تحدث الحرب غدًا، وقد لا يأتي الرد هذا الأسبوع، لكنّ قواعد اللعبة تغيّرت:
– إيران ليست منهارة
– حزب الله لم يسلّم سلاحه
– إسرائيل أقل ثقة مما تبدو
– والضربة المفاجئة ما تزال احتمالًا قائمًا لا يستطيع أحد شطبه
وفي شرق أوسط تحكمه لحظة خاطئة أو قرار متسرع، قد يصبح الحدث الذي ينتظره الجميع هو نفسه الحدث الذي يفاجئ الجميع.












































