اخبار الاردن
موقع كل يوم -هلا أخبار
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
هلا أخبار – في منعطف يربط التكنولوجيا بالسياسة والجغرافيا، دخل تطبيق تيك توك مرة أخرى في قلب معركة النفوذ العالمية. ففي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أن نظيره الصيني شي جينبينغ وافق على صفقة تقضي بتحويل ملكية التطبيق نحو السيطرة الأميركية، عبر كونسورتيوم يضم شركات تكنولوجية ورجال أعمال نافذين.
الصفقة، التي جرى تبريرها باعتبارات 'الأمن القومي'، تعطي شركة ByteDance الصينية أقل من 20% من الملكية، فيما تؤول الحصة الأكبر – أكثر من 65% – إلى مستثمرين أميركيين، يتصدرهم لاري إليسون، مؤسس 'أوراكل' المعروف بدعمه السخي لإسرائيل. ويشارك في الكونسورتيوم أيضاً روبرت مردوخ مالك 'فوكس نيوز'، ومايكل ديل مؤسس 'ديل تكنولوجيز'، إلى جانب صندوق الاستثمار الإماراتي إم جي إكس بحصة 15% ومقعد في مجلس الإدارة، ما يعكس اصطفافاً في هندسة المشهد الرقمي.
خلفية هذه الصفقة تكشف عن أبعاد أعمق من مجرد استحواذ اقتصادي. فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة قبل عامين، تحوّل تيك توك في الولايات المتحدة إلى ساحة مفتوحة لنشر محتوى يوثّق الانتهاكات، وأصبح منصة مركزية للجيل الشاب في التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين. بيانات استطلاعات الرأي أظهرت أن أكثر من ثلثي المستخدمين دون سن الأربعين تبنوا مواقف رافضة للسياسات الإسرائيلية بفعل هذا المحتوى.
هذا التحول الرقمي أثار ذعراً سياسياً: مشرّعون أميركيون اتهموا خوارزمية تيك توك بالتحيز ضد إسرائيل، فيما دعا أعضاء بارزون في الكونغرس مثل جوش هاولي وماركو روبيو إلى حظر التطبيق. رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن 'السلاح الحقيقي اليوم هو السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي'، مشيراً صراحة إلى أن امتلاك منصات مثل تيك توك و'إكس' بات جزءاً من استراتيجية الحرب الحديثة.
في موازاة ذلك، فجّرت وثائق مسرّبة نشرتها 'ويكيليكس' فضيحة من العيار الثقيل: الحكومة الإسرائيلية تموّل مؤثرين أميركيين بمبالغ تصل إلى 7000 دولار عن كل منشور، ضمن خطة إعلامية نفّذتها شركات مثل Bridges Partners LLC وHavas Media Group. هذه الخطة، المسجّلة رسمياً وفق قانون الوكلاء الأجانب الأميركي (FARA)، خصصت نحو 900 ألف دولار لتجنيد 12 مؤثراً وتدريبهم على نشر محتوى داعم لإسرائيل.
ولا يتوقف النفوذ عند هذا الحد. فإسرائيل، وفق التسريبات، تدفع ما يقارب 1.5 مليون دولار شهرياً للمستشار الرقمي الأميركي براد بارسكيل، المدير السابق للحملة الرقمية لترمب، لتشغيل منظومات ذكاء اصطناعي تولّد آلاف الرسائل المؤيدة لإسرائيل بشكل آلي ومنسّق.
هذه المعطيات تتزامن مع تغيّر كبير في المزاج الشعبي الأميركي. استطلاع نيويورك تايمز بالتعاون مع جامعة سيينا كشف أن 68% من الأميركيين تحت سن 30 يعارضون أي مساعدات إضافية لإسرائيل. بل إن 40% من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن إسرائيل تتعمد قتل المدنيين في غزة، وهي قفزة مضاعفة مقارنة بعام 2023.
بذلك، يصبح الاستحواذ الأميركي – الإسرائيلي على تيك توك ليس مجرد صفقة مالية، بل عملية إعادة هندسة للفضاء الرقمي الموجّه إلى الجيل الصاعد، بهدف كبح موجة التضامن الشعبي مع الفلسطينيين وإعادة صياغة الخطاب العام. المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل انتقلت إلى شاشات الهواتف في حرب خوارزميات ومحتوى ورأي عام.
(وكالات)