اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
رم - التعليم العالي في الأردن
واقع وتحديات (7-7)
التحدي السابع: التعليم عن بُعد / ضعف التكامل الإنساني والأكاديمي وفرص اكاديمية مهدورة
د. هيثم علي حجازي
شهد التعليم العالي في السنوات الأخيرة تحولا جوهريا نحو تبني أنماط جديدة من التعليم، كان أبرزها التعليم عن بُعد والتعليم المدمج، خاصة في ظل التغيرات التكنولوجية المتسارعة وجائحة كوفيد-19 التي فرضت نماذج بديلة عن التعليم التقليدي. وعلى الرغم من المزايا التي يُمكن أن يقدمها هذان النمطان من حيث المرونة وتمكين أكبر عدد ممكن من الناس من الحصول على التعليم، فإنّ هناك عددا من المساوئ والآثار السلبية التي تستحق الدراسة والتحليل النقدي، لا سيما في السياقات الجامعية التي تتطلب تفاعًا أكاديميا ومعرفيا عميقا.
مفهوم التعليم عن بعد والتعليم المدمج
1. التعليم عن بعد: هو نظام تعليمي يعتمد على إيصال المحتوى الأكاديمي للطلاب عبر وسائل تكنولوجية دون حضور فعلي في القاعات الدراسية، ويشمل التعليم الإلكتروني المتزامن وغير المتزامن.
2. التعليم المدمج: هو نمط تعليمي يجمع بين التعليم التقليدي (وجهاً لوجه) والتعليم الإلكتروني، حيث يتلقى الطالب جزءا من المحتوى داخل القاعة الدراسية وجزءا آخر عبر الإنترنت.
مساوئ التعليم عن بعد في الجامعات
1. ضعف التفاعل الإنساني والأكاديمي: غياب التفاعل الشخصي بين الطالب وأستاذه أو بين الطالب وزملائه يؤدي إلى إضعاف جودة التعلم ويقلل من فرص تبادل الأفكار والنقاشات العلمية
2. تراجع مستوى الانضباط الذاتي والتحفيز: يعتمد التعليم عن بعد بشكل كبير على قدرة الطالب على التنظيم الذاتي، مما يشكل تحديا للعديد من الطلاب الذين يفتقرون للمهارات اللازمة لإدارة وقتهم وتحفيز أنفسهم
3. فجوة رقمية وعدم تكافؤ الفرص: لا يمتلك جميع الطلاب ذات القدر من الوصول إلى الإنترنت أو الأجهزة الحديثة، مما يُكرّس فجوات اجتماعية واقتصادية تؤثر على جودة التعلم
4. محدودية في التقييم الأكاديمي الموضوعي: تعاني الجامعات من صعوبات في ضبط معايير التقييم في التعليم عن بعد، وخصوصا في الامتحانات الإلكترونية التي تكون عرضة للغش أو فقدان النزاهة الأكاديمية
5. ضعف في اكتساب المهارات العملية والتطبيقيّة: لا يتيح التعليم عن بعد الفرصة الكافية لاكتساب المهارات التطبيقية، خاصة في التخصصات العملية مثل الطب والهندسة والعلوم الطبيعية التي تحتاج إلى تجريب مختبري مباشر
مساوئ التعليم المدمج في الجامعات
1. التحديات التنظيمية والإدارية: يتطلب التعليم المدمج تنسيقا دقيقا بين الجوانب الإلكترونية والتقليدية، ويؤدي ضعف هذا التنسيق إلى تشتت الطالب وضعف استيعابه للمحتوى
2. عبء إضافي على هيئة التدريس: يجد العديد من أعضاء هيئة التدريس أنفسهم مضطرين لإعداد محتوى تعليمي مزدوج (الكتروني وتقليدي) وهو ما يزيد من أعبائهم دون توفر تدريب كافٍ أو حوافز مناسبة أو مساعدي تدريس
3. عدم وضوح هوية النموذج التعليمي: يعاني بعض الطلبة من التشتت بسبب الانتقال المستمر بين البيئة الواقعية والافتراضية، مما يؤثر على اتساق التجربة التعليمية
4. غياب استراتيجيات الدعم التقني والرقمي: يواجه الطلبة والكوادر الأكاديمية صعوبات تقنية متكررة في بيئة التعلم الإلكتروني، في ظل غياب أنظمة دعم فني فعّالة في بعض الجامعات
5. إضعاف الانتماء للمؤسسة التعليمية: التقليل من التفاعل الوجاهي قد يؤدي إلى ضعف ارتباط الطالب بالجامعة ومجتمعها الأكاديمي، ما ينعكس سلبا على اندماجه ومشاركته
النتائج والتحليل
تشير الأدلة إلى أن التوسع غير المدروس في التعليم عن بعد والتعليم المدمج قد يُفضي إلى تراجع جودة التعليم الجامعي. كما أن تبني هذه الأنماط دون تهيئة البنية التحتية، وتدريب الكادر الأكاديمي، وضمان العدالة الرقمية، من شأنه أن يُضعف الأثر الإيجابي المتوقع منها.
التوصيات
1. العودة التدريجية والمنهجية إلى التعليم الوجاهي الكامل في الجامعات، مع وضع خطة واضحة زمنياً ومؤسساتيا لإلغاء التعليم عن بُعد والمدمج، باستثناء الحالات الطارئة أو البرامج الاستثنائية.
2. تعزيز البيئة الصفية الحية والتفاعلية من خلال الاستثمار في تطوير القاعات الدراسية، وتحديث تقنيات العرض، وإعادة تفعيل الأنشطة الأكاديمية والمناقشات الحضورية التي تساهم في بناء الفكر النقدي والتشاركي لدى الطلبة.
3. إعادة تأكيد دور الأستاذ الجامعي بوصفه قائدا تربويا مباشرا، وذلك بتعزيز حضوره الوجاهي في العملية التعليمية، والحد من الاعتماد على التسجيلات أو المواد الرقمية الجاهزة، لضمان التفاعل الإنساني والمعرفي.
4. دعم المهارات التطبيقية والعملية عبر العودة إلى المختبرات والمرافق الجامعية الواقعية، خصوصاً في التخصصات التي تتطلب التجريب، والعمل المخبري، والتدريب الميداني، حيث لا يمكن استبدالها بالتعليم الإلكتروني.
5. إعادة بناء الانتماء الجامعي والمجتمع الأكاديمي من خلال أنشطة وجاهية مثل الندوات، والمجموعات البحثية، والمبادرات الطلابية، مما يعزز الروح الأكاديمية ويعيد التماسك الاجتماعي بين الطلبة وأساتذتهم.
6. معالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي نتجت عن العزلة الرقمية خلال فترات التعليم عن بُعد، وذلك من خلال توسيع خدمات الإرشاد الأكاديمي والنفسي الوجاهي، وتوفير فضاءات جامعية داعمة للتفاعل الإنساني.
7. التركيز على التقييم الوجاهي العادل والشفاف، والابتعاد عن الامتحانات الإلكترونية التي أثبتت محدوديتها من حيث النزاهة والمصداقية الأكاديمية، مع تعزيز الرقابة على العملية التقييمية داخل الحرم الجامعي.
8. توجيه الاستثمار التكنولوجي لدعم التعليم الوجاهي بدلاً من استبداله، عبر استخدام الوسائط الرقمية كأدوات مساندة للمحاضرات وليس بديلا عنها، مثل العروض التفاعلية أو مصادر إثرائية، دون المساس بجوهر التجربة الصفية.
9. وضع إطار سياسي وطني يُعيد التأكيد على التعليم الوجاهي كخيار استراتيجي للتعليم العالي، والحد من التوسع غير المحسوب في التعليم عن بعد، وربطه فقط بظروف خاصة واستثنائية.
10. إجراء تقييم وطني شامل لتجربة التعليم عن بعد والتعليم المدمج خلال السنوات الماضية، لتحديد مكامن الضعف وتعزيز القناعة بأهمية العودة الكاملة إلى الحرم الجامعي لتحقيق جودة التعليم وتكافؤ الفرص.
لقد عادت العديد من الدول إلى نظام التعليم الوجاهي الكامل في الجامعات، بعد تجربة التعليم عن بُعد والتعليم المدمج خلال جائحة كورونا وما بعدها. هذا التحول جاء نتيجة لتقييمات متعددة أظهرت أن التعليم الوجاهي يحقق نتائج أفضل من حيث التفاعل الأكاديمي، واكتساب المهارات العملية، والانتماء المؤسسي. فقد شجعت وزارة التعليم البريطانية الجامعات على العودة إلى التدريس الوجاهي. نتيجة لذلك، انتقلت معظم الجامعات إلى التعليم الوجاهي، مما تطلب من الطلاب التكيف مع هذا التحول. وفي فرنسا أعادت الجامعات الفرنسية فتح أبوابها بالكامل للتعليم الوجاهي، وجاء هذا القرار جاء بعد تقييمات أظهرت أن التعليم الوجاهي يساهم في تحسين جودة التعليم وتعزيز التفاعل بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وفي اسبانيا عادت الجامعات الإسبانية إلى التعليم الوجاهي الكامل، مع التركيز على التفاعل المباشر بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وتم اتخاذ هذا القرار بعد دراسة تأثير التعليم عن بُعد على جودة التعليم ومستوى التحصيل الأكاديمي. كذلك أعادت الجامعات الألمانية فتح أبوابها للتعليم الوجاهي، وتم التركيز على أهمية التفاعل المباشر في العملية التعليمية وأثره الإيجابي على جودة التعليم. وعادت الجامعات الإيطالية إلى التعليم الوجاهي الكامل. أما السويد فقد أبقت على التعليم الوجاهي في الجامعات خلال الجائحة، وهذا النهج ساهم في الحفاظ على استمرارية التعليم وجودته. وينطبق هذا الأمر على الكثير من الدول الأخرى التي آثرت العودة الى نظام التعليم الوجاهي الكامل مثل: الدانمارك، والنرويج، وفنلندا، واليابان، والصين، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلاند، والبرازيل، وغيرها من الدول.
إن هذه الأمثلة تظهر أن العديد من الدول قد أدركت أهمية التعليم الوجاهي وقررت العودة إليه بعد تجربة التعليم عن بُعد والتعليم المدمج. ويُعزى ذلك إلى التحديات التي واجهها الطلاب والمعلمون خلال فترة التعليم الإلكتروني، مثل ضعف التفاعل، وصعوبة تقييم الأداء الأكاديمي، والفجوة الرقمية.