اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
عندما يصبح الصمت أنضج من الكلام
الكابتن اسامة شقمان
في رحلة الإنسان مع ذاته والآخرين، تأتي لحظة يدرك فيها أن الصمت لم يعد مجرد غياب للكلام، بل حضور للوعي. لحظة يتوقف فيها عن خوض معارك لا تزيده إلا إنهاكًا، ويدرك أن بعض الأبواب المغلقة لا تستحق طرقًا متكررًا، وأن الصمت قد يكون أعظم إجابة من ألف كلمة.
نُرهق أنفسنا حين ننتظر من الآخرين ما لا يملكون تقديمه، وحين نُعلّق قلوبنا على ردود أفعال لا تأتي. نتعب من العطاء المتواصل دون تقدير، ومن الأعذار التي نصنعها كي نُبرّر غياب الاهتمام. حتى نصل إلى وعي عميق: من لا يرى حضورنا في صمتنا، لن يراه مهما غرقنا في الشرح والتوضيح.
مع الوقت، نتعلم أن الاحترام لا يُستجدى، وأن الحب لا يُثبت بفيض الكلمات بل بما يبقى من مواقف وأفعال حتى في غياب الحديث. ندرك أن القوة الحقيقية ليست في القدرة على الرد، بل في امتلاك الشجاعة للصمت حين يصبح الرد هدرًا للطاقة.
إنه خيار ناضج أن نبتعد بهدوء، دون خصام أو استعراض، فقط نمضي في طريقنا ونترك ما لا يستحق. لا نغلق الأبواب بقسوة، ولا نُشعل ضوضاءً لإعلان انسحابنا، بل نترك الأمر في هدوء، واثقين أن من لم يُقدّر وجودنا لن يُدرك قيمتنا بغيابنا.
وهنا يبدأ التحوّل: تبدأ العلاقات الصادقة بالظهور دون جهدٍ مُرهق، بينما تتلاشى العلاقات الهشّة التي كانت قائمة على صبرنا الزائد. فالتوازن الداخلي يفتح أبوابًا لعلاقات أنقى، وحياة تشبه حقيقتنا أكثر.
الحرية ليست في أن نكسر قيود الخارج، بل في أن نُحرّر أنفسنا من الحاجة المفرطة إلى رضا الآخرين. أن نفهم أن الحنو لا يعني أن نتجاهل ذواتنا، وأن الواجب لا يقتضي أن نستنزف أرواحنا لنُرضي من لا يُشبهنا.
الصمت، في جوهره، ليس هروبًا، بل حكمة. هو صوت الروح حين تتجاوز الضجيج وتُعلن أن النضج أحيانًا يعني أن تختار السلام على الجدال، والهدوء على الفوضى، والسكينة على المعارك الصغيرة.