اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي النحلة حياصات
في لحظة تتقاطع فيها الأزمات البنيوية للنظام الأمريكي مع انكشاف النموذج النيوليبرالي وتراجع شرعية الحزبين الكبيرين، تلوح فرصة سياسية غير مسبوقة لظهور حزب ثالث يقتحم المشهد ويكسر احتكار الثنائية التي هيمنت على الحياة السياسية منذ أكثر من قرن.
لقد أدى تمدد منظومة 'الدولة الموازية' في العقدين الماضيين، عبر تحالفات معقّدة بين الأجهزة الأمنية، ورأس المال، والإعلام، إلى تفكيك توازنات الدولة العميقة وإضعاف قدرتها على إدارة الداخل الأميركي، بعدما انشغلت طويلًا بالملفات الخارجية. لكن، ومع تآكل هذه المنظومة، بدأت الدولة العميقة ( بوصفها الضابط البنيوي للنظام ) في إعادة تموضع داخلي، مستخدمة أدوات غير تقليدية لإعادة ضبط المشهد، قد يكون من بينها دعم أو السماح بنشوء حزب جديد يملأ الفراغ القائم.
في هذا السياق، تبدو التحركات غير التقليدية التي يتصدرها شخصيات مثل إيلون ماسك، أو بعض التحالفات 'التقنية–الشعبوية'، أكثر من مجرد طموحات فردية؛ إنها تمثل بوابة لإعادة رسم الخريطة السياسية داخل بنية النظام. فصعود ترمب واختطافه للحزب الجمهوري، في مقابل شيخوخة الحزب الديمقراطي، خلقا فراغًا حقيقيًا في 'المنتصف السياسي'، وولدّا حاجة لحزب جديد يعيد التوازن ويعبّر عن أغلبية صامتة باتت لا تجد نفسها في أي من الحزبين.
رغم فشل محاولات سابقة لتأسيس حزب ثالث، إلا أن الظروف هذه المرة مختلفة. التحولات الرقمية، واتساع رقعة التذمر الشعبي، وتفكك المرجعيات السياسية التقليدية، كلها توفر بيئة حاضنة لحزب جديد إن أُحسن تخطيطه. الاستطلاعات تؤكد أن أكثر من نصف الناخبين يريدون بديلًا. لكن الرغبة وحدها لا تكفي.
التحدي الأبرز يكمن في بنية النظام الانتخابي الأمريكي ذات الطابع الإقصائي، حيث صيغة 'الفائز يحصد كل شيء' تقضي عمليًا على التعددية. كما أن المال السياسي، واللوبيات، وقوانين الوصول إلى بطاقات الاقتراع، كلها عقبات ضخمة أمام أي مشروع خارج النظام.
ومع ذلك، فإن النجاح النسبي لا يعني بالضرورة الوصول إلى الرئاسة مباشرة، بل يمكن أن يبدأ من خلال اختراق الكونغرس، أو السيطرة على بعض حكومات الولايات، أو التأثير في مخرجات الخطاب العام. فالحزب الثالث الناجح هو من يدرك أن التغيير في النظام الأمريكي لا يتم عبر انقلاب انتخابي مفاجئ، بل عبر تراكم ذكي وبطيء للشرعية والتأثير.
إن أمريكا تقف على مفترق طرق تاريخي. وإذا ما توفرت قيادة تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا، لا مؤقتًا ولا شخصيًا، فإن لحظة الانقضاض على الفراغ قد تكون حانت. وحينها، لن يكون الحزب الثالث مجرد خيار، بل ضرورة تاريخية.
واخيرا كل الشكر للصديقة لارا عبيدات لمشاركتها معي بعض افكار هذا المقال .