اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
رم -
مهدي مبارك عبد الله
في خطوة أثارت ردود فعل متباينة داخل بريطانيا وخارجها أعلنت الحكومة البريطانية مؤخراً حظر حركة Palestine Action وصنّفتها كمنظمة إرهابية وقد جاء القرار تحت مبرر أن أنشطة الحركة تمثل تهديداً للأمن العام خاصة بعد تصاعد حملاتها الاحتجاجية ضد شركات بريطانية متورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسها شركة ' Elbit Systems ' المتخصصة في الصناعات العسكرية
هل يُعد هذا القرار فعلا استجابة مشروعة لمخاوف أمنية أم أنه انعكاس لانحياز سياسي واضح وما هي تداعياته على حرية التعبير والعمل الحقوقي في بريطانيا وهذا ما سنحاول استكشافه في هذا المقال
تُعرف حركةPalestine Action بأنها تنظيم غير عنيف يعتمد أساليب ' العصيان المدني المباشر' في مقاومة التورط البريطاني في دعم الاحتلال الاسرائيلي وقد حظيت بحضور إعلامي وشعبي متزايد خلال السنوات الماضية ومع ذلك يرى البعض في هذا الحظر محاولة مبيته لقمع التضامن مع القضية الفلسطينية وخطوة خطيرة نحو تجريم النضال الحقوقي داخل المملكة المتحدة خاصة وان الحركة تعمل جاهدة بالطرق السلمية البحتة على وقف تعاملات بريطانيا مع إسرائيل وتعارض تجارة الأسلحة الداعمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية وتسعى إلى وقفها كما تدعو لأنهاء نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين بالقتل والتجويع ومنع العلاج في الداخل والخارج
القرار لاقى انتقادات واسعة من نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وعدد من أعضاء البرلمان البريطاني واعتبرت العديد من الجهات أن الحظر يمثل انتهاكاً لحرية التعبير والعمل السياسي خصوصاً وأن الحركة لم تتورط في أي أعمال مسلحة أو تهديد مباشر للأفراد وقد اتهمت عدة منظمات حقوقية الحكومة بأنها تخضع لضغوط سياسية لإسكات كل ما يمس الشراكة الاستراتيجية بين بريطانيا وإسرائيل كما أعرب نشطاء عن خشيتهم من أن يتحول تصنيف ' الإرهاب ' إلى أداة لتكميم الأفواه وتقييد الاحتجاجات السلمية الموجهة ضد سياسات الدولة الخارجية أو العسكرية
الحكومة البريطانية استندت في قرارها بحظر حركة Palestine Action إلى مبررات وصفتها بالأمنية والجنائية حيث اعتبرت أن أنشطة الحركة تُشكل تهديداً للأمن العام وتتسم بطابع 'إرهابي' ووفقاً لتصريحات وزارة الداخلية فإن الحركة تتبنى ' تكتيكات عنيفة ' مثل اقتحام الممتلكات الخاصة وتخريب المعدات والمنشآت وتعطيل أعمال الشركات المرتبطة بصناعات عسكرية لا سيما تلك التي تتعامل مع إسرائيل
وزيرة الداخلية البريطانية ' إيفيت كوبر ' بدورها وبعد تصويت مجلس العموم البريطاني بأغلبية كبيرة لصالح تعديل قانون الإرهاب لعام 2000 وموافقة الحكومة أكدت أن تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية يأتي ضمن إطار حماية المواطنين وفرض سيادة القانون مشيرة إلى أن ' العمل المباشر العنيف لا يمكن تبريره تحت ستار الاحتجاج السياسي ' كما اعتبر البيان الرسمي أن الحركة تعتمد أسلوب ' الترهيب والتخريب ' لتحقيق أهدافها السياسية الأمر الذي لا يتماشى بحسب الحكومة مع أسس الديمقراطية البريطانية
تأسستPalestine Action في تموز عام 2020 على يد الناشط البريطاني ريتشارد برنارد والناشطة البريطانية من أصل فلسطيني هدى عموري كرد فعل طبيعي ومباشر على استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي وخاصة بعد الهجمات الوحشية المتواصلة على قطاع غزة والتي تزامنت مع تصاعد عمليات التطبيع وتورط شركات بريطانية واسرائيلية مثل ( Elbit Systems ) في تصنيع وتصدير مكونات اساسية لأسلحة تستخدم في قتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم وانتهاك حقوقهم
مع أن الحركة لم تتورط في اي أعمال مسلحة أو تُصنف عادة ضمن الحركات الإرهابية وفق المعايير الدولية فإن السلطات البريطانية أكدت أن تكرار أعمال التخريب خاصة استهداف مقار شركات مثل Elbit Systems يجعل منها تهديداً ممنهجاً لا يمكن التساهل معه قانونياً
نشطاء الحركة قاموا باقتحام قاعدة ( بريز نورتون ) الجوية البريطانية وقاموا برش طائرات حربية بطلاء أحمر احتجاجًا على مشاركة بريطانيا في دعم آلة القتل الإسرائيلية بالمال والسلاح في الحرب على غزة حيث استخدم نشطاؤها الطلاء الأحمر للتعبير عن ( الدم الفلسطيني المهدور ظلما وقد تم إدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية على خلفية هذه العملية الرمزية حيث اعتبر هذا الاجراء سابقة تاريخية خطيرة في تصنيف ( حركة سياسية مدنية سلمية ) بالتوازي مع حركات مسلحة تمارس القتال والعنف ضد المدنيين كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية داعش وغيرهما
خلال السنوات القليلة الماضية اصبح عناصر الحركة عرضة للملاحقة والاعتقال وهدفً مباشر لأجهزة المخابرات والشرطة البريطانية التي بداءة تترصدها وتتعقب تحركاتها منذ عام 2022 وقد اسفرت الملاحقات الامنية المتواصلة عن اعتقال أكثر من 250 ناشط من أعضائها كما واجهوا العديد من نشطاء Palestine Action المؤيدين للقضية الفلسطينية في بريطانيا تهما جنائية من قبل السلطات البريطانية
ميثاق واستراتيجية الحركة يعتبر بريطانيا أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار إسرائيل في سياساتها الإجرامية بحق الفلسطينيين كما يذكر ناشطوا الحركة في خطاباتهم وتصريحاتهم دائما بتاريخ العلاقات البريطانية الإسرائيلية التي بدأت من وعد بلفور عام 1917 الذي مهد لقيام إسرائيل عام 1948 الى التواطؤ المستمر في دعم بريطانيا للاحتلال الاسرائيلي في عدوانه المتواصل على غزة وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لاجرامه عبر تقديم صفقات السلاح والتسهيلات اللوجستية والتقنيات الالكترونية المتطورة
الحكومة البريطانية بعقلية الشرطي المتسلط التي ارتفعت حدتها وقسوتها بعد أسابيع قليلة من تولي حزب العمال زمام قيادة في البلاد بزعامة كير ستامر صعدت مؤخراً من لهجة خطابها تجاه المظاهرات المؤيدة لفلسطين لاسيما مع تفاقم الاحتجاجات ضد دعم مجازر استمرار سياسات التجويع والمحاصرة ومنع دول المساعدات والغذاء والدواء والوقود الى غزة منذ 7 أكتوبر 2023 والذي صنفته منظمات حقوقية دولية على أنه إبادة جماعية منظمة بحق ابناء الشعب الفلسطيني
الحركة في مسار دفاعها عن نفسها صنفت أفعالها المتكررة بانها حق طبيعي وقانوني يمثل رداً مباشراً على تواطؤ الحكومة البريطانية مع جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لاسيما في ظل الدعم العسكري والاقتصادي الذي توفره لندن لتل أبيب وسط استمرار العدوان وتصاعده والذي قارب على العامين وتسبب منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 57 ألفا و882 شهيد و138 ألفا و95 مصاب اضافة الى حصيلة ضحايا المساعدات التي ارتفعت منذ 27 مايو/ أيار الماضي إلى 880 شهيد وأكثر من 5852 إصابة
من جانب اخر وفي اطار رد الحركة على سياسات وتصريحات الرئيس الأميركي بشأن قطاع غزة واقتراحه إفراغ القطاع من سكانه وإعادة تطويره تحت إدارة أميركية رسمت مجموعة من نشطاء الحركة في آذار 2025 شعارات وصور مؤيدة لغزة داخل منتجع تيرنبيري للغولف المملوك للرئيس الأميركي دونالد ترامب في أسكوتلندا
المؤكد للجميع على ارض الواقع انه مع تصاعد الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين تكثفت إجراءات المنظمة بشكل أكبر وسط هجوم مستمر من اللوبي الصهيوني إذ كشفت وثائق نشرتها صحيفة ' غارديان ' البريطانية أن شركة ' Elbit Systems ' والحكومة الإسرائيلية مارستا ايضا ضغوطا اخرى على الشرطة والادعاء العام ووزيرة الداخلية وباقي وزراء الحكومة بهدف الاستمرار في قمع النشطاء وترهيبهم واستصدار احكام قاسية بحقهم وفي المحصلة المطالبة برلمانيا بحظر الحركة والذي تم بكل اصرار وبغطاء قانوني وتنفيذي صارمين
ضمن الترتيبات المشتركة وتبادل الادوار رفضت المحكمة البريطانية العليا طلب قدمته الناشطة البريطانية من أصل فلسطيني هدى عموري المؤسسة المشاركة في حركة فلسطين أكشن لتعليق قرار الحكومة تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية الا ان القاضي ( مارتن تشيمبرلين ) رفض تعليق القرار ليصبح الحظر نافذاً ما يعني أن أي انتماء أو دعم علني للحركة بات مجرم قانونا ويعاقب عليه بالسجن لمدة قد تصل إلى 14 عام وبذلك انضمت ( فلسطين أكشن ) إلى قائمة الجماعات المحظورة في بريطانيا والتي تضم تنظيمات مثل داعش والقاعدة رغم الفوارق الشاسعة في طبيعة النشاطات والاهداف والسياق السياسي بينهما ولهذا وصف قرار الحظر من بعض الهيئات الحقوقية والمؤسسات الانسانية بأنه استبدادي وتمييزي وانتهاك فاضح لمبادئ القانون العام البريطاني وهو اجراء امني وقانوني متعسف لإسكات الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية
بعد اعلان رفض قرار تعليق العمل بتعديلات قانون الارهاب البريطاني نظم العشرات من النشطاء اعتصام حاشد أمام المحكمة البريطانية العليا رفعوا خلاله الأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات داعمة للحركة والمقاومة الفلسطينية كان من أبرزها ( كلنا Palestine Action ) وقد اعتبر المشاركون أن حظر ( حركة عصيان مدني اهدافها سامية واتهامها باطل ) في وقت تصمت فيه الحكومة البريطانية عن المجازر وسياسات التجويع الاسرائيلية الوحشية في غزة
الحقيقة ان تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية جاء في سياق ومناخ سياسي متوتر داخل بريطانيا حيث تتزايد الضغوط على الحكومة لتبرير دعمها للاحتلال الإسرائيلي وسط تنامي الأصوات الرافضة لتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين مع تفاقم التوجس من ان يتجاوز هذا الحظر حدود واطار حركة Palestine Action كشن ويصبح ( رسالة ترهيب قوية لكل من يرفض الاحتلال الاسرائيلي او يناصر شعب فلسطين ) أي اعتراض او تظاهر في المستقبل سوف يوصم بالإرهاب ويفتح الواسع لملاحقة أي نشاط طلابي أو احتجاج نقابي أو حتى أي حملة تضامن إلكترونية مع مأساة الفلسطينيين ما دامت المصالح التجارية والصفقات العسكرية بين لندن وتل ابيب فوق المبادئ والاخلاق والحق والشرعية ومقدمة على كل اعتبار اخر وهو ما قد يُمهّد الطريق أمام حظر منظمات أخرى تُعبّر عن مواقف مناهضة للسياسة الرسمية البريطانية ويهدد فضاء الحريات العامة في بلد طالما افتخر بتقاليده الديمقراطية العريقة
بشفافية وصدق حركة Palestine Action لم تقتل أحدًا ولم تفجّر منشأة ولم تطلق رصاصة او تهدم منزل ولم تهدد حياة مدني بالموت قتلا او جوعا او مرض كما يفعل جيش الاحتلال في غزة بل هي استهدفت بصورة سلمية وحضارية رموز القتل المتمثلة بتلك الطائرات الحربية التي ترسل الموت إلى المدنيين الفلسطينيين وما فعلته ليس جريمة ولا يخالف القانون وكبير ذنبها انها فضحت التواطؤ الرسمي البريطاني في المشاركة بسفك الدم الفلسطيني وحولت بعض الصمت المحلي والدولي إلى حالة من الوعي الشعبي العارم ومع كل ذلك وجدت نفسها على قوائم الإرهاب الدولي فيما شركات تصنيع القتل والسلاح التي تسلّح جيش الاحتلال الاسرائيلي ما زالت تتلقى عقودًا وصفقات ودعم وإرشادات ورعاية من قبل الحكومة البريطانية اصل بلاء الشعب الفلسطيني واساس معاناته
الحكومة البريطانية اختارت أن تحارب اللون الأحمر الذي يمكن ان يزول لكنها هزمت امام التصدي لإهراق الدم الحقيقي الذي سيعود ذات يوم ثورة وعنف وانتقام على كل المتآمرين وبدلًا من فتحها تحقيقات عادلة ووقف الدعم العسكري الإسرائيلي قررت بريطانيا العظمى سابقا محاربة وملاحقة وشيطنة الصوت الانساني الحر المعارض للقتل والتدمير والمناهض للإبادة الجماعي والتشريد اليومي ووصم نشطائه بالإرهاب الكاذب والملفق
التاريخ سيكتب يوما في انصع صفحاته واشرف مواقفه حكاية حركة مدنية قاتلت بأدوات سلمية وواجهت بطش آلة حرب دولية فصُنفت بانها إرهابية كما سيفرد ذات التاريخ فصلا قبيحا ومخزيا لمسيرة جميع الحكومات الغربية التي طالما تغنت بالديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان بعدنا سقط قناعها المزيف في أول اختبار حقيقي لحرية التعبير واجترام الراي الاخر خاصة إذا مسّ اجرام ووحشية إسرائيل كيان العهر الابدي الذي تحولت بريطانيا من اجله إلى دولة تُجرم التعاطف الانساني مع شعب اعزل تحت الاحتلال يقصف اطفاله ونساءه ويموت جوعا وعطشا وتدمير منذ قرابة عامين وحكومة العمال الحالية ومن سبقها لا زالت تسلّح الجلاد وتحاكم الضحية لمجرد انه تألم و صرخ
خاتمة : قد يدفع هذا الحظر نشطاء Palestine Action وغيرهم إلى تطوير استراتيجيات جديدة أكثر مرونة ولامركزية وربما أكثر تأثيراً على المدى الطويل خصوصاً في بيئة رقمية يصعب السيطرة عليها بالوسائل التقليدية فقد نشهد في المستقبل القريب تصعيداً في المواجهة بين الدولة والنشطاء واتساعاً في الفجوة بين القانون وحقوق التعبير والعمل الحقوقي تتجاوز الطلاء الاحمر الذي لا يقتل مقابل الحقيقة التي تُرعب اعداء حق الشعب الفلسطيني في الحياة وحاجته للامن والأمان والعيش بسلام كباقي الامم والشعوب لذلك كان لا بد من إسكات الصوت الحر الشريف في عالم ' انجليزي ' سفلي كريه تديره مافيات السلاح وتحكمه عصابات الارهاب الصهيونية التي تسعى الى تقويض كافة أشكال المقاومة المدنية خاصة تلك التي تتحدى علانيةً دعم بريطانيا السياسي والاقتصادي لإسرائيل
يبقى السؤال الأهم هل يمكن لبريطانيا أن تنتصر في معركة ما تسميه ' الأمن وحماية القانون ' من دون أن تخسر الحرية
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]