اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
رم -
مهدي مبارك عبد الله
في هذا المقال سنغوص معكم في اعماق الاتهامات الترامبية لحركة حماس لنكشف لكم ما ورائها واسباب التصعيد وتأثير الرواية التفاوضية ومحاولات الهيمنة على المشهد السياسي الفلسطيني وهل تعكس هذه الاتهامات حقيقة الواقع أم أنها مجرد مناورة سياسية لتبرير التصعيد العسكري الاسرائيلي القادم
في يوليو 2025 شهدت محادثات الدوحة بين حماس ووفود عربية ودولية نهاية فاشلة ادت الى انسحاب الوفدين الأمريكي والإسرائيلي من المفاوضات وتوقفً جهود التهدئة وعلى اثرها هاجم الرئيس الامريكي دونالد ترامب حركة حماس واتهمها بأنها ( لا تريد السلام بل تريد الموت ) والتشبث بالمواجهة العسكرية على حساب حياة المدنيين مهما كانت التكاليف وقد رفضت حماس الاتهامات واكدت أن أي اتفاق لا يتضمن وقفًا دائمًا وشاملًا للحرب ورفع الحصار هو بمثابة ( استسلام سياسي ) غير مقبول وأنها ستدافع بكل الوسائل المشروعة عن حقوق الشعب الفلسطيني في وجه الحصار والعدوان وان اتهامات الرئيس ترامب الصادمة لا تعكس الحقيقة الكاملة بان الحركة التي لطالما كانت وستبقى رمزًا للنضال والمقاومة الفلسطينية ترفض كل فرصة للسلام
لفهم المشهد الحراكي لتصريحات ترامب لابد من الاخذ بعين الاعتبار نوايا وخفايا المخططات الصهيو امريكية المعدة مسبقا لتشويه صورة حماس وارباك قدراتها وتعقيد المفاوضات عبر لعبة سياسية مشتركة لتبرير عدم وقف إطلاق النار وابقاء الحصار وشن مزيد من الحملات العسكرية على القطاع مع التمسك بصيغ الاتفاقات الهزيلة لتصعيد الصراع وتعطيل الحلول في أي مرحلة ووقت
بقراءة تحليلية معمقة لهذه الاتهامات نلاحظ بشكل واضح انها تتجاهل الواقع الفلسطيني المأزوم والمعاناة الحقيقية والضغوط الإنسانية التي يعانيها السكان المدنيون في غزة ناهيك عن تعقيدات السياسة الداخلية الفلسطينية والانقسامات بين الفصائل في وقت تقف فيه حماس كجدار صلب أمام تيارات السلام الهشة وترفض الاستسلام لرغبات السلام الاسرائيلي المؤقت الذي لا يضمن مستقبلًا حقيقيًا لشعب غزة خاصة وأن كل ما عُرض على حماس كان مجرد صفقة هدنة مؤقتة بلا أي ضمانات واضحة مما يعني بقاء الحصار والتهديد باستمرار العدوان وهي شروط ترفضها الحركة وبقية فصائل المقاومة بكل شدة واصرار
بالتحليل السياسي الدقيق لمضامين مفردات الرئيس ترامب نجد انها ليست مجرد انتقاد سياسي بل هي خطوة تكتيكية مدروسة تهدف الى عدم تقديم أي بديل سياسي للحرب واختزال القضية في ( نوايا الموت ) مع تهيئة الرأي العام لتبرير أي عملية عسكرية مقبلة ضد القطاع والتغطية التضليلية على امكانية عودة الضربات العسكرية وتقويض أي دور لحماس كمفاوض سياسي وهذا جزء من حملة إعلامية وسياسية بين واشنطن وتل ابيب لأسقاط مكانة حماس على الساحة السياسية المحلية والدولية وتحريض الرأي العام الدولي ضدها وسحب البساط من تحت اقدام الوسطاء ومنح إسرائيل حرية أكبر في التصرف الميداني والتصعيد العسكري والاستمرار في تعطيل أي جهود للسلام لا تلبي شروطهما
مسار المفاوضات التي يتحدث عنها ترامب لم تحرز أي تقدم ملموس في أي جانب ومستقبل غزة في كل يوم يدخل المجهول والسيناريوهات الموقعة مفتوحة على امكانية التصعيد العسكري وارتفاع التوتر في ظل سعي ترامب الى فرض تهدئة مؤقتة وهشة على حركة حماس وتقديم اقتراحات جديدة معدلة للتفاوض تعطل أي جهود للسلام وتلبي شروط الاحتلال وتسهم في تدهور الأوضاع واستعصاء الازمة خاصة بعدما وضع ترامب حماس أمام خيارين ( الموت أو السلام ) وهو ما جعل الحركة الفلسطينية في موقف حرج بين خيارين صعبين إما قبول السلام بشروط مجحفة أو الاستمرار في المواجهة والدفاع عن النفس والتي ستؤدي إلى مزيد من الموت والدمار
امام ذلك ومن اجل مواجهة التحالف الصهيو امريكي المتعنت وللخروج من الأزمة باقل الخسائر لابد للفلسطينيين من السعي الجاد لبناء وحدة حقيقية تلتقي خلف برنامج وطني واضح مع مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الاممية بتحمل مسؤولياتها وفرض ضغوط اقوي لوقف العدوان ورفع الحصار وتقديم الدعم الإنساني العاجل للمدنيين في غزة والبدء بحوار سياسي شامل لضمان كرامة الشعب الفلسطيني ومستقبل آمن للمنطقة فضلا عن ضرورة تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة دورها السياسي فالموقف صعب يتطلب وقفة حوار عميقً وإرادة سياسية تنقذ اهل غزة من مأزق الجوع والدمار والموت لان استمرار غياب المشروع الوطني الجامع سيؤدي إلى عجز واضح في الرد الموحد على ضغوط تل ابيب وواشنطن وفتح الباب أمام استغلال الانقسام الفلسطيني لإفشال أي مبادرة حقيقية واذا لم تتوحد الفصائل على رؤية وطنية شاملة فإن مستقبل القضية سيبقى رهينة للضغوط والإملاءات والمجازر
لتوضيح الصورة بشكل ادق نبين لكم بان تصريحات واتهامات ترامب كانت جزء من استراتيجية مسبقة تهدف الى تجريد حماس من أي شرعية تفاوضية والضغط عليها لتقبل شروط سياسية وعسكرية اسرائيلية صعبة من خلال تصويرها عالميا كطرف يرفض السلام ويبحث عن الموت في خطاب تحريضي يخدم الأهداف الإسرائيلية والأمريكية التي تسعى لإضعاف المفاوضات وشرعنة وتصعيد العمليات العسكرية وانجاز هدنة مؤقتة وغير مستدامة مع بقاء الحصار وزيادة الدمار المدني ورغم ان محاولات التصعيد تفتقر إلى قراءة واقعية للسياق الفلسطيني وتغفل المطالب الإنسانية والسياسية الأساسية للفلسطينيين من وقف إطلاق النار المستدام ورفع الحصار وضمانات إعادة الإعمار وعدم العودة للعدوان وهو ما يكشف التوجهً الأميركي نحو فرض حل بالقوة بدل التفاوض ومحاولة شق الصف الفلسطيني أكثر وتحويل الأنظار عن فشل المسار الدبلوماسي الأمريكي بتحميل حماس وحدها ذنب استمرار الحرب والعدوان وتعطيل المفاوضات
اذا في ظل الافتراءات المتكررة التي يوجهها ترامب لحركة حماس يثار السؤال هل هذه الاتهامات تشكل امتداد لمحاولات يائسة لتبييض جرائم إسرائيل في الصراع المستمر فبينما يركز ترامب على تحميل حماس مسؤولية رفض السلام وتصعيد العنف يغيب عن المشهد الامريكي التحركات الإسرائيلية التي تزيد من تعقيد الوضع وتغذي دائرة العنف وهذه الرواية التي يحاول ترامب تسويقها كشفت بشكل فاضح نوايا الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وما إذا كانت هذه الاتهامات جزءًا من استراتيجية سياسية تهدف إلى تبرئة الاحتلال من مسؤولية الابادة الجماعية وسياسة التجويع والدمار أمام المجتمع الدولي
حديث ترامب له ابعاد وسياقات سياسية داخلية وخارجية وهربا من ضغوط الداخل الأمريكي يحاول كسب تأييد القاعدة اليمينية عبر تأكيده على القوة وعدم التساهل مع من يعتبرهم إرهابيين اما خارجيًا فخطابه يخدم الرواية الإسرائيلية بأن حماس لا تصلح شريكًا سياسيًا كما وجد البعض في تصريحات ترامب رغبة مبيته في اضعاف موقف الوسطاء ( قطر ومصر) والتقليل من مصداقية أي جهود تفاوضية لا تمر عبر قناة واشنطن من خلال استمرار الضربات العسكرية ضد غزة وبما يعفي إسرائيل من تقديم أي تنازلات سياسية في الوقت الراهن لهذا تعتبر تصريحات ترامب دليل دامغ على زيف الدور الأمريكي والذي جعل المقاومة المسلحة الخيار الوحيد لمواجهة الاحتلال وغطرسته
بعد ما تعرفنا على تصريحات ترامب التحريضية والمجافية للحقيقة يمكن ان نتصور بعض من سيناريوهات المستقبل المحتملة للمنطقة في ظل استمرار الحرب ومحاولة إسرائيل تصفية حماس عسكريًا وفرض تهدئة مؤقتة بشروطها فمن الممكن العودة إلى طاولة المفاوضات مع تقديم تنازلات جزئية من الجانبين والتفاوض على حل سياسي تراكمي يقود الى تهدئة طويلة تتطور نحو تفاهم سياسي أوسع للقضية وطرح مبادرة فلسطينية واضحة تشمل شروطًا متوازنة للسلام وتفتح الباب أمام حل دائم والاستفادة من التحولات الدولية خصوصًا بعد مواقف فرنسا ودول أوروبية تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفي النهاية اذا ما استمر انداد الافق السياسي قد تفرض ترتيبات إدارة خارجية لغزة دون الوصول الى حل شامل للقضية الفلسطينية
التصعيد غير المسبوق لواقع الحال يعكس أزمة سياسية وإنسانية مركبة لا يمكن اختزالها في بعض عبارات مختصرة تخرج من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات صادمة واتهامات باطلة بان حماس ترفض السلام وتختار الموت وأن قادتها يعرفون أنهم قد يُقتلون ومع ذلك لا يريدون التراجع وهل يمكن أن نصدق اباطيل ترامب بأن حركة تحمل هذه الأعباء تختار الموت عن السلام أم أن الصورة أكثر تعقيدًا مما تبدو لنا ولابد من القناعة الكاملة بان تصريحات ترامب ليست مجرد كلمات عابرة بل هي جزء من حرب إعلامية تستهدف تهيئة الرأي العام الدولي والمحلي للحرب العسكرية القادمة ودفع إسرائيل للمزيد من الحسم العسكري دون ضغوط سياسية وتهميش حماس وتحجيم دورها من خلال تهدئة مؤقتة بوساطة إقليمية مع بقاء القضايا الجوهرية الاهم معلقة بدوت أي معالجة او حل
السؤال المنطقي هل سيقود هذا التصعيد السياسي والعسكري منذ بداية الحرب على غزة إلى مزيد من الدمار أم سيفتح الأبواب أمام مفاوضات جديدة تحمل أملًا بسلام هش رغم التحديات الكبيرة والخيارات الضيقة لكن فسحة الأمل لا تزال موجودًة وان اتهامات ترامب النارية قد تكون صادمة لكنها ليست النهاية وعلى الأرض هناك ما هو أعمق من صراع على البقاء والمفاوضات المحاصرة ومعركة مع الرواية السياسية التي قد تغير موازين القوى هل فعلاً حماس حركة للموت كما يصفها ترامب أم أنها راس حربة للمقاومة تحاول فرض شروط عادلة لحياة فلسطينية كريمة في وجه آلة الحرب الفاشية
ترامب في كل تغريداته و تصريحاته كان يتساوق مع الرواية الإسرائيلية في استراتيجيته التعبوية والسياسية وهو يقدن حماس كطرف غير عقلاني يرفض التسويات ما كشفت عن فشلًه المتجددً في التعامل مع جذور الصراع ومحاولته الدائمة لتحميل الفلسطينيين وحدهم مسؤولية الجمود فضلا عن تشويهه المستمر لصورة حماس وتبريره للعدوان والتغاضي عن واقع معقد تعيشه حماس يرفض الاستسلام لأي حل لا يضمن حياة كريمة للشعب الفلسطيني فالمسألة برمتها ليست ( موت أو سلام بل كرامة أو احتلال ) وهذا امر يتطلب من ترامب شجاعة سياسية حقيقية تجعله في موقع الوسيط النزيه في ظل جولات التفاوض غير المجدية
إسرائيل بدعم امريكي وغربي وعربي تطالب باستسلام حماس ومغادرتها المشهد السياسي في غزة كشرط للسلام وحماس تصر على أن الحرب يجب أن تنتهي ضمن الاتفاق ودون استسلام أنظمتها أو تخلّيها السياسي وترامب استغل الاوضاع المرتبكة لمنح الغطاء السياسي للدعم الأمريكي لإسرائيل بتصعيد عسكري قادم ضد حماس بحجة أنها ( شريك غير جاد للحوار وتفضل الدمار على التفاوض ) ومع استمرار القصف وتقييد المساعدات داخل غزة تزايدت الاتهامات لترامب بضرورة تحمل مسؤوليته الأخلاقية عن تفاقم الأزمة
خاتمة : من حق حركة حماس القانوني والانساني والشرعي إن ترفض اي صفقة ' بلا نهاية واضحة للحرب ' ودون أي التزامات إسرائيلية بوقف الحرب أو انسحاب القوات الاسرائيلية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية ومن واجبها الوطني والنضالي أن تطالب باتفاق شامل لا مجرد تهدئة قصيرة الأمد تُستأنف بعدها العمليات وعلى الرئيس ترامب ان يعي قبل فوات الاوان ان الطريق الاقصر للخروج من النفق المظلم لا يمر عبر اتهامات ( الموت بل مت خلال مفاوضات الحياة ) بشروط تضمن عدم تكرار العدوان وتحفظ الكرامة وتؤسس لسلام حقيقي شامل ودائم واللحظة اليوم تتطلب شجاعة سياسية من ترامب لا تقل عن شجاعة حماس في الميدان فهل نرى تحولًا حقيقيًا أم تستمر اللعبة الدموية بالقتل الجماعي والمجاعة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]