اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١٨ حزيران ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي النحلة حياصات
تشهد الساحة الأردنية هذه الأيام حالة من عدم الوضوح السياسي ما بين الدولة والمجتمع، تصاعدت مع تفاعل الأردن مع الصراع الإقليمي الأخير بين إيران وإسرائيل، تحديدًا بعد قيام الدفاعات الجوية الأردنية باعتراض صواريخ إيرانية عبرت الأجواء الأردنية، في الوقت الذي لم تُسجّل فيه ردود مشابهة على اختراقات الطائرات الإسرائيلية. هذه الحادثة، وإن بدت عسكرية في ظاهرها، إلا أنها فجّرت نقاشًا أوسع حول الثقة المفقودة بين الدولة والمجتمع، وحول الحاجة لإعادة صياغة اللغة السياسية التي تحكم العلاقة بين الطرفين.
لا يزال الخطاب الرسمي الأردني يعتمد على أدوات لغوية وسياسية تنتمي إلى زمن الإعلام الموجه والمعلومة الشحيحة. في المقابل، يتعامل اليوم مع جمهور واعي، مزود بأدوات الوصول إلى المعلومة من مصادر متعدده.
وبدلًا من مواكبة هذا التحول، لا تزال بعض الجهات الرسمية تخاطب الناس بخطاب مكرر، يفتقر للشفافية والتفصيل، ما يجعل المدافعين عن الموقف الرسمي يظهرون متوترين وغير مقنعين، وكأنهم يدافعون عن مواقف لا يثقون بها هم أنفسهم.
وعلى الطرف المقابل، فإن الخطاب المجتمعي في بعضه لا يخلو من التسرع والانفعال العاطفي، خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث طغى الغضب على التحليل، والتهكم على الاقتراح. فالكثير من الانتقادات، رغم مشروعيتها، تفتقر أحيانًا إلى العمق أو تقديم رؤية بديلة، وهو ما يعيق تحويل هذا الوعي الشعبي إلى قوة اقتراح وبناء.
الجدل الأخير حول اعتراض الأردن لصواريخ إيرانية دون أن يتخذ موقفًا مشابهًا من اختراقات الطيران الإسرائيلي، فتح بابًا واسعًا للسؤال حول المعايير التي تحكم سيادة الأجواء الأردنية. شعر جزء من الرأي العام أن الموقف الرسمي متناقض، ما ساهم في تأجيج أزمة الثقة التي تعاني منها اصلا العلاقة بين الدولة والمواطن.
هذه الازدواجية ,أو على الأقل غياب التفسير الواضح لها, تعزز شعورًا عامًا بأن الدولة لا تفصح عن دوافعها الحقيقية، مما يدفع المجتمع إلى ملء الفراغ السردي بتأويلات غالبًا ما تكون متطرفة أو غير دقيقة.
ما يجمع الطرفين اليوم هو غياب الثقة. فالدولة لا تثق بالمجتمع لتكاشفه، والبعض من هذا المجتمع لا يثق بالدولة ليفسّر أقوالها وأفعالها بحسن نية. وهذا الانفصال لا يُنتج فقط أزمة سياسية، بل يخلق أيضًا 'فراغًا في اللغة'؛ فلا الخطاب الرسمي قادر على الإقناع، ولا النقد المجتمعي قادر على البناء.
الخروج من هذا المأزق ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب قدراً من الشجاعة في الطرح وإجراء تغييرات جوهرية في أسلوب الخطاب السياسي الرسمي. لم تعد الشفافية خياراً للدولة، بل أصبحت ضرورة حتمية في زمن تتسارع فيه المعلومات. وفي هذا السياق، من المهم أن يقدم الناطقون الرسميون وغير الرسميين توضيحاً بشأن الموقف الأردني، خاصة فيما يتعلق باعتراض الصواريخ داخل الأجواء الأردنية، مقابل عدم التعامل مع الطائرات الإسرائيلية. يجب أن يكون الخطاب واضحًا بأن الأردن جزء من تحالف إقليمي ودولي قديم هدفه الأساسي التصدي للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة ومنع امتلاك إيران لسلاح نووي بأي ثمن، لما قد يمثله من تهديد بالغ الخطورة، لا يقل عن خطر امتلاك إسرائيل لهذا النوع من السلاح.
ومن هنا، فإن فهم هذا التوجه لا يعني بالضرورة انحيازًا لأي طرف، بل هو قراءة واقعية لمعادلة صعبة، ومحاولة للخروج بأقل الخسائر الممكنة. كما أن على المجتمع أن يتفاعل مع هذه القضايا برؤية بنّاءة، لا تقتصر على الرفض، بل تشمل التحليل وطرح البدائل.
في خضم الدفاع المرتبك والغضب المتصاعد، تتآكل فرص بناء الثقة والحوار الجاد. ما نحتاجه اليوم هو مقاربة جديدة، تتسم بالوضوح والعقلانية، وتفتح المجال لتفاهم قائم على المصارحة والمسؤولية، بعيداً عن التوجس أو التهكم.