صندوق الضمان بين النمو التاريخي والمخاطر الهيكلية : قراءة تحليلية في الأثر الاقتصادي والاجتماعي

صندوق الضمان بين النمو التاريخي والمخاطر الهيكلية : قراءة تحليلية في الأثر الاقتصادي والاجتماعي

كتب وائل منسي - شهد صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في الأردن خلال النصف الأول من عام 2025 أداءً مالياً استثنائياً، تمثل في ارتفاع غير مسبوق في موجوداته ودخله الشامل، مع تحولات واضحة في أولوياته الاستثمارية وتوجهاته الاستراتيجية. إلا أن هذا النمو لا يخلو من تحديات بنيوية ومخاطر هيكلية ترتبط بتكوين المحافظ الاستثمارية، ومستوى الاعتماد على سندات الحكومة، وضعف أداء بعض القطاعات المستثمَر فيها. يطرح هذا المشهد تساؤلات حول مدى استدامة هذا النمو، وقدرته على تحقيق أثر اقتصادي واجتماعي إيجابي بعيد المدى.

بلغت موجودات الصندوق في نهاية حزيران 2025 نحو 17.3 مليار دينار، بزيادة قدرها 1.2 مليار دينار عن بداية العام، وبنسبة نمو بلغت 7.2%. كما ارتفع الدخل الشامل للصندوق إلى 1.1 مليار دينار، مقارنة بـ 487 مليون دينار في الفترة ذاتها من العام السابق، بنسبة نمو بلغت 119%. وبلغ صافي الدخل من المحافظ الاستثمارية ما يقارب 591 مليون دينار، بينما حققت محفظة الأسهم الاستراتيجية ارتفاعاً في التقييم بلغ حوالي 473 مليون دينار.

وتوزعت العوائد الاستثمارية بشكل رئيس على محفظة السندات (296 مليون دينار)، والأسهم (207 ملايين)، وأدوات السوق النقدي (70 مليوناً)، إلى جانب القروض والعقارات. أما التوزيعات النقدية المحصلة من أرباح الشركات، فقد تجاوزت 191 مليون دينار، وهي الأعلى في تاريخ الصندوق، مما يعكس تحسناً في الأداء المالي للشركات التي يستثمر فيها، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق المحلي، لا سيما بورصة عمّان.

يتجه الصندوق حالياً نحو التوسع في المشاريع الوطنية الكبرى، وعلى رأسها مشروع 'الناقل الوطني' للبنية التحتية، كما يبدي اهتماماً بالاستثمار في قطاعات التعليم والنقل والتعدين. ويأتي ذلك ضمن رؤية استثمارية طويلة الأمد تواكب مستهدفات التحديث الاقتصادي وتعزز من مكانة الصندوق كمؤسسة فاعلة في تحفيز بيئة الأعمال والتنمية المستدامة.

رغم هذا الأداء المبشر، يواجه الصندوق تحديات حقيقية قد تُقيد من أثره الاجتماعي والاقتصادي على المدى البعيد. أولى هذه التحديات هي التركيبة الاستثمارية الثقيلة بمحفظة سندات الحكومة، التي تشكل حوالي 57% من إجمالي الموجودات. وهو ما يعني اعتماداً كبيراً على جهة واحدة، في تناقض مع قواعد التنويع المالي التي توصي بها المعايير الدولية، والتي تحصر استثمار صناديق التقاعد في سندات أي جهة واحدة بنسبة لا تتجاوز 36%. هذا التركيز قد يرفع من المخاطر في حال تعرضت الحكومة لأي اهتزاز مالي أو ارتفاع في الدين العام.

كما تُظهر البيانات ضعفاً في أداء بعض المحافظ، لا سيما محفظة الاستثمارات السياحية، التي لم تحقق أي عائد ملموس حتى منتصف العام، رغم التعافي الواسع الذي شهده القطاع السياحي في الأردن خلال 2024 و2025. وتشير هذه المعطيات إلى خلل في إدارة هذه الاستثمارات، أو سوء اختيار في المشاريع ذات الجدوى المحدودة، مثل فندق كراون بلازا في البترا وغيره.

ومن القضايا الجوهرية أيضاً، أن الصندوق هو اليوم أكبر دائن للحكومة، بحجم مديونية يصل إلى أكثر من 10 مليارات دينار، أي ما يقارب ثلثي موجوداته. كما أن هناك مديونية داخلية أخرى على المنشآت تزيد عن مليار دينار، تمثل أموالاً مجمدة يمكن، في حال استثمارها في مشاريع إنتاجية، أن تخلق فرص عمل حقيقية تصل إلى أكثر من 40 ألف وظيفة، وتدر عوائد سنوية بقيمة تقارب 55 مليون دينار.

هذه المعطيات تضع الصندوق أمام لحظة مراجعة حقيقية لسياساته الاستثمارية. فمن جهة، هناك أداء مالي غير مسبوق يجب تثمينه والبناء عليه؛ ومن جهة أخرى، هناك اختلالات واضحة في تنويع المحافظ، وتضخم في العلاقة التمويلية مع الحكومة، وضعف في بعض العوائد القطاعية، كلها تستدعي حوكمة رشيدة، ورقابة أكثر فاعلية، وإفصاحاً شفافاً أمام الجمهور والمشتركين في الضمان.

إن الحفاظ على استدامة منظومة الضمان الاجتماعي، وتعظيم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لاستثماراته، يتطلب انتقالاً فعلياً نحو توجيه الموارد نحو قطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة، وخفض نسبة الاعتماد على الأدوات الحكومية، وتصويب الاستثمارات المتعثرة، بما يضمن عوائد مجدية، واستقلالاً مالياً أكبر، ودوراً تنموياً أكثر فاعلية للصندوق في الاقتصاد الوطني.

بهذا المعنى، فإن مستقبل صندوق استثمار أموال الضمان لا يقاس فقط بالأرباح المتحققة، بل بقدرته على تحقيق توازن حقيقي بين الربحية والاستدامة، وبين العوائد المالية والمردود الاجتماعي، في سبيل ضمان أمن المتقاعدين، وتحفيز عجلة الإنتاج، وتعزيز العدالة الاجتماعية في الأردن.