اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
السوسنة - يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، ثورة لا تغيّر فقط طريقة عمل المؤسسات، بل تُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والمعرفة ذاتها. والأردن، بإطلاقه 'الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2023-2027)'، لم يعد مجرد متفرج، بل أصبح لاعباً فاعلاً في هذه الثورة، مسخّراً مقوماته البشرية والعلمية لتحقيق ريادة إقليمية. وقد تجلّى ذلك بتقدمه إلى المرتبة 29 عالميًا في مؤشر انتشار الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لتقرير Stanford AI Index 2024، تشهد منطقة الشرق الأوسط نموًا سنويًا بنسبة 26% في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما ينسجم تمامًا مع توجه الأردن نحو التحول الذكي، ويعزز موقعه كمركز إقليمي واعد في هذا المجال المتسارع.
يمثل الذكاء الاصطناعي التنبؤي (Predictive AI) حجر الأساس في رحلة الأردن نحو التحول الرقمي، إذ يتجاوز مرحلة التنظير إلى التطبيق العملي في قطاعات حيوية مثل الطاقة والقطاع المالي. ففي قطاع الطاقة، تم توقيع عقد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التخطيط الأمثل للأحمال الكهربائية، بينما أصبحت نماذج تقييم المخاطر الائتمانية في القطاع المصرفي حقيقة واقعة تدعم استقرار المنظومة المالية وتعزز الكفاءة التشغيلية.
أما الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) فيمثل قفزة نوعية نحو الإبداع المحلي، حيث يشهد الأردن فعاليات متزايدة مثل هاكاثون 'Build With AI' الذي يجمع الطلبة المبدعين من مختلف الجامعات. هذا النشاط الميداني، إلى جانب وجود أكثر من 650 طالبًا يدرسون تخصص الذكاء الاصطناعي في الجامعة الأردنية فقط، يخلق بيئة خصبة لتطوير حلول توليدية مبتكرة في مجالات الإعلام، التسويق، والتعليم.
وفي مجال الذكاء الاصطناعي المجسّد (Embodied AI)، بدأت التجارب العملية في القطاع الصحي باستخدام الروبوتات المساعدة، كما تظهر شركات ناشئة رائدة مثل Mind Rockets التي تطور تقنيات ذكية لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا المسار الواعد يتطلب تعزيز التعاون بين الجامعات ومؤسسات الصناعة لتحويل الأبحاث إلى منتجات قابلة للتطبيق التجاري.
ويأتي الذكاء الاصطناعي العاطفي (Emotion AI) ليمثل تحدياً وفرصة في آن واحد، إذ يمكن استخدامه في التعليم والرعاية الصحية لتحسين التجربة الإنسانية من خلال قراءة المشاعر والتفاعل معها. غير أن هذا المجال يتطلب أطرًا أخلاقية واضحة، وهو ما تجسده مبادرة 'الميثاق الوطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي'، التي توازن بين الابتكار وحماية الخصوصية.
أما الذكاء الاصطناعي الوكيلي (Agentic AI) فيشكل المرحلة المتقدمة في رحلة التحول الرقمي، حيث يمكن أن يحدث نقلة نوعية في القطاع الحكومي من خلال تطوير مساعدين افتراضيين أذكياء يساهمون في تقليص البيروقراطية وتحسين جودة الخدمات العامة. ويتطلب ذلك بناء منصات بيانات آمنة وتطوير بنية تحتية رقمية مرنة قادرة على دعم هذا التحول.
ويبقى الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence - AGI) هو الحلم البعيد الذي تسعى الدول إلى بلوغه، إذ يمثل الذكاء القادر على التفكير والتعلم بشكل شامل مثل الإنسان. وللاستعداد لهذه المرحلة المستقبلية، يواصل الأردن الاستثمار في التعليم النوعي والبحث العلمي، كما فعلت الجامعة الأردنية بتأسيس أول قسم متخصص في الذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني.
وتتبلور خارطة الطريق الأردنية للذكاء الاصطناعي عبر ثلاث مراحل مترابطة: قصيرة المدى: تركز على تطبيق مشاريع الذكاء الاصطناعي الوكيلي في المؤسسات الحكومية، ومتوسطة المدى: تعزز التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص لتسريع الابتكار، وطويلة المدى: تبني منظومة وطنية متكاملة تدمج الذكاء الاصطناعي في صميم العملية التعليمية والاقتصادية.
إن الذكاء الاصطناعي في الأردن لم يعد مجرد خيار تكنولوجي، بل أصبح ضرورة استراتيجية تدعمها رؤية وطنية واضحة. والنجاح لن يتحقق بالتقليد، بل بالابتكار الذي يراعي الخصوصية المحلية ويخدم الأولويات الوطنية. فبينما نسير نحو المستقبل، يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً استراتيجياً في بناء أردن رقمي متوازن بين التكنولوجيا والإنسانية، محققًا رفاهية المواطن ومستقبلاً أكثر إشراقاً للوطن.












































