اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٥ أيلول ٢٠٢٥
أوسلو: من وهم الدّولة إلى واقع الضّم والتّهجير
كتب أزهر الطوالبة -
بعد مرور أكثر من ثلاثينَ عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، تتضح معالم حصيلته: ليس دولة فلسطينية، ولا تسوية عادِلة، بل مسار مُتدرِّج قاد إلى تثبيت الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، وفتح الطّريق أمام تهجيرٍ صامت، وضمٍّ مُعلن للضفة الغربيّة.
وُقّع أوسلو في لحظةِ اختلالٍ عميقٍ لموازين القوى. فمُنظّمة التحرير تبحث عن الشرعيّة والعودة إلى الدّاخل، وإسرائيل تستثمر تفوّقها العسكريّ والسياسيّ بعد الحرب الباردة. لهذا، صُمِّم الاتفاق ليكون إطارًا مؤقتًا لتأجيلِ القضايا الجوهريّة (القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود)، من دون ضماناتٍ أو التزاماتٍ واضِحة على إسرائيل. والنّتيجةُ كانَت: أنَّ الاتفاقَ أوجدَ سلطة فلسطينيّة محدودة الصلاحيّات، لكنّهُ تركَ السيطرة الفعليّة على الأرض بيد الاحتِلال.
إسرائيل لم تعتَبر أوسلو مدخلًا لتسويةٍ نهائيّة، بل وسيلة لشراء الوقت، واستثمار الغطاء السياسيّ لتغيير الحقائق على الأرض. ومع مرور السنوات، تضاعف عدد المّستوطنين مرات عديدة، وجرى تحويل مناطق 'ج' إلى فضاءٍ مفتوح للمُصادرة والبناء الاستيطانيّ. وبدل أن يكون أوسلو محطة للانسحاب، صارَ مِظلّة لتفكيك الضّفة إلى كانتوناتٍ معزولة.
هذا الأمر، كشَفَ، وبالتّجربةِ الجليّة، أخطر ما تولَّد عن الاتّفاق، وقد تمثّلَ هذا الخطَر بأنَّ المشروع الإسرائيليّ لم يتوقّف عند السيطرة، بل انتقلَ إلى مرحلةِ الضَّم والتّهجير. فالقوانين الإسرائيليّة الأخيرة، وخطط توسيع المستوطنات، وحملات هدم المنازل، وسحب الهويات، وتصريحات الوزراء الّذي يشتهرونَ بتطرُّفهم، كلّها تُشير إلى مسارٍ مُتعمَّد يهدِف إلى إفراغِ الضفة الغربية من أهلها، وضم أراضيها فعليًا إلى إسرائيل. ما يجري اليوم هو تنفيذ عمليّ لمُعادلة 'أرض أكثر وسكّان أقل'، وهي المعادلة التي وفر لها أوسلو غطاءً دبلوماسيًا.
وعلى الجانب الفلسطيني، التهَمَت أنياب الأوهام جسدَ الواقِع. حيثُ تحوّل الاتّفاق إلى أداةٍ لتغذيةِ الوهم. فقد رُوّج لقيامِ الدّولة المُستقلّة، ولإنهاء الاحتلال خلال خمس سنوات. لكن، الواقع ذهبَ في الاتجاه المُعاكس. السلطة الفلسطينيّة باتت مُقيّدة بشبكةٍ من الترتيباتِ الأمنيّة والاقتصاديّة (خاصة بروتوكول باريس)، ما جعلها عاجزة عن حماية الأرض، أو حتّى عن تحسين الأوضاع المعيشيّة.
وبدلًا من التحرُّر، وجدَ الفلسطينيونَ أنفسهِم أمام كيانٍ إداريٍّ هشّ، مُرتبط بالاحتلال أكثر ممّا هو مُنفصل عنّه.
إنّ هذا الإرتِباط، كانَ مدخلًا لتصفيةِ القضيّة الفسطينيّة. إذ لا يمكن القول إن أوسلو فشل فقط، بل يمكِن اعتبارُه قد نجح تمامًا في خدمةِ المشروع الإسرائيليّ. فقد منحَ الاعترافَ بإسرائيل شرعيّة سياسيّة لم تكن تحلم بها، وضَمِن استمرار السيطرة على الأرض، وأتاحَ الوقت الكافي لترسيخ مشروع الضّم التدريجيّ. في المقابل، أفشلَ الطُّموحات الوطنيّة الفلسطينيّة، وجرّد خطاب الدّولة المُستقلّة من أيّ مضمونٍ عمليّ.
وأخيرًا، يُمكِن أن نخلُص إلى ما يلي: بعد ثُلث قرنٍ، تقريبًا، على أوسلو، يتّضح أنّ جوهر الاتّفاق لم يكن الطّريق إلى دولةٍ فلسطينيّة، بل الممرّ إلى واقعِ الضّم والتّهجير. وما نشهده اليوم في الضفة الغربيّة – من توسّعٍ استيطانيٍّ غير مسبوق، وضغوطٍ مُمنهجة على السّكان لدفعهم إلى الرحيل – يؤكّد أنَّ إسرائيل استثمرَت الاتفاقَ ليكون 'هُدنة استراتيجيّة'، انتهَت بتصفيةٍ تدريجيّةٍ لفكرة الدّولة الفلسطينيّة. بذلك، يُصبح السؤال الأهم اليوم: ليس هل فشلَ أوسلو، بل كيفَ يُمكن للفلسطينيينَ أن يتجاوزوا إرثه الثّقيل، ويواجهوا مشروع الضّم والتّهجير بمشروعٍ وطنيٍّ بديل، يُعيد الاعتبارَ لجوهر قضيّتهم.