اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
بصفة مجردة يمكن اعتبار تتويج المنتخب المغربي للشباب بكأس العالم لأقل من 20 سنة بمثابة انجاز كروي خارق، كان يصعب تصوره منذ ذلك الإعجاز الذي حققه المنتخب الغاني سنة 2009، لكن بالنظر لمعطيات ذاتية وموضوعية عديدة صار الأمر في نظر الكثير من المحللين تتويجا عاديا وطبيعيا ومنطقيا ومستحقا، جاء امتدادا لمقدمات سبقت، وتحصيل حاصل لمجموعة من العوامل التي ساهمت في تحقيق اللقب العالمي منذ تألق المنتخب الأول في مونديال 2022، ثم الحصول على برونزية أولمبياد باريس، واللقب القاري لمنتخبي المحليين وأقل من 23 سنة، وكذا لقب القارات لمنتخب كرة الصالات، بدون نسيان ما حققه منتخب السيدات قاريا وعالميا.
كل شيء حدث في ظرف وجيز بعد فشل المنتخب الأول في بلوغ نهائيات كأس العالم على مدى عشرين عاما بين 1998 و2018، وغيابه عن نهائيات كأس أمم أفريقيا لأربع نسخ متتالية في نفس الفترة، وغاب الشبان عن مسرح الأحداث الرياضية القارية والدولية، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب منذ 2017 من خلال الاستثمار في المنشآت والمرافق الرياضية التي سمحت للمغرب باحتضان أحداث كروية مختلفة خاصة بالفئات الشبابية والكرة النسوية، ثم الفوز بتنظيم نهائيات كأس أمم أفريقيا 2025، والمشاركة مع إسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم 2030، في خطوة مدروسة سمحت بتشييد عديد الملاعب والمدارس والأكاديميات الكروية التي أنتجت عديد المواهب.
الاتحاد المغربي ألزم الأندية المحترفة بإنشاء مدارس كروية أنجبت مواهب احترف بعضها في أوروبا، وربط بالموازاة مع ذلك اتصالات بالمواهب الأخرى المولودة في أوروبا، من مزدوجي الجنسية الذين دعموا مختلف المنتخبات الشبابية وقادوها نحو المجد العالمي في تشيلي بعد أن حفزهم تألق المنتخب الأول في كأس العالم بقطر عندما بلغ المربع الأخير، وشجعهم على الالتحاق بمنتخب البلد الأم في جميع الفئات السنية بحثا عن المجد والشهرة والتألق، خاصة في زمن تقلصت فيه فرص الأفارقة والمغاربة في الالتحاق بالمنتخبات الأوروبية الكبيرة مثلما حدث مع لامين جمال على سبيل المثال.
الاعتماد على المدربين المحليين المتخرجين من مختلف المدارس الكروية الأوروبية ساهم بدوره في تحقيق الطفرة، خاصة بعد تألق مدرب المنتخب الأول وليد الركراكي مع “أسود الأطلس” في مونديال قطر، ووضع الثقة في آخرين للإشراف على مختلف المنتخبات الشبابية التي كانت بحاجة إلى عناية في الداخل ومتابعة في الخارج، أثمرت نتائج حفزت البعيد على الاقتراب من المنتخبات المغربية، واستقطبت عناية السلطات العمومية والممولين والمعلنين، ووسائل الإعلام والجماهير التي كاد يغمرها اليأس في رؤية الكرة المغربية تتألق قاريا وجهويا ودوليا، وتصنع صورة جميلة للبلد الذي يعاني مثل غيره من متاعب اقتصادية واجتماعية لم تمنع جماهيره من الشعور بالفخر والاعتزاز.
ما يحدث في المغرب كرويا وفي ظرف وجيز نال الاعجاب، واستقطب الاهتمام، وشكل حالة استثنائية تدعو الأفارقة والعرب للاقتداء بها، خاصة وأنها لم تكن مكلفة ولم تتطلب وقتا طويلا لا يتجاوز عقدا من الزمن أخرج الكرة المغربية من سباتها العميق إلى العالمية، وصار بلوغ نصف نهائي المونديال عاديا، والتتويج بكأس العالم للشباب أكثر من عادي، في انتظار تداعيات احتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا المقبلة، وكأس العالم 2030 برفقة اسبانيا والبرتغال، مرورا بالمشاركة في مونديال 2030 الذي يشكل التحدي الأكبر لهذا الجيل من اللاعبين الموهوبين الذين لا يريدون مواصلة الاستثمار في الطفرة الحاصلة اليوم، وعدم التوقف عند هذا الحد من التميز الاستثنائي الذي يجب أن يدرْس ويٌدرس ويقتدى به في العالم العربي والافريقي على حد سواء.
إعلامي جزائري