"تمكين" تدعو لإجراءات شاملة لمكافحة الاتجار بالبشر في الاردن

'تمكين' تدعو لإجراءات شاملة لمكافحة الاتجار بالبشر في الاردن

عمان – دعت 'تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان' إلى اتخاذ إجراءات شاملة لمكافحة الاتجار بالبشر في الأردن، مع التركيز على حماية الفئات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها العاملات في المنازل، واللاجئون، والعمال غير النظاميين.

وأوصت 'تمكين' بمناسبة اليوم الدولي لمناهضة الاتجار بالأشخاص، الذي يصادف 30 تموز/يوليو من كل عام، بضرورة إنشاء مرصد وطني متخصص برصد وتحليل حالات الاتجار بالبشر، يكون أداة داعمة لتوجيه السياسات الوطنية وتطويرها. كما شددت على أهمية إطلاق حملات توعية متعددة اللغات تستهدف العمال والعاملات الأجانب، لتعريفهم بحقوقهم وآليات الإبلاغ الآمن، إلى جانب الخدمات القانونية، والمأوى، والرعاية الصحية والنفسية المتاحة من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني.

وأكدت 'تمكين” أن ضعف الوعي بمفهوم الاتجار بالبشر يشكل عائقًا أمام إنصاف الضحايا، حيث لا يدرك الكثير منهم أن ما يمرون به يُعد جريمة بموجب القانون، مما يؤدي إلى ترددهم في اتخاذ إجراءات قانونية أو تقديم شكاوى للحصول على حقوقهم. كما أكدت أن استبعاد العمال المهاجرين من الشمول في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي يعزز من هشاشتهم، ويزيد من احتمالية تعرضهم للاستغلال، مما يشكل تحديًا أمام تحقيق الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يركز على القضاء على العمل الجبري والاتجار بالبشر.

وأشارت إلى أهمية تفعيل نظام الإحالة الوطني، من خلال تعزيز التنسيق بين الجهات الأمنية والقضائية والصحية والاجتماعية، وضمان إصدار تصاريح إقامة مؤقتة للضحايا خلال التحقيقات، ومنع ترحيلهم قبل استكمال الإجراءات، بما يتوافق مع تعديلات قانون الاتجار بالبشر لعام 2021، والمادة السادسة من بروتوكول باليرمو. واعتبرت أن معاقبة الضحايا بدلًا من حمايتهم؛ بسبب أوضاعهم القانونية المخالفة يمثل انتهاكًا للمعايير الدولية.

ورغم التقدّم التشريعي، رصدت 'تمكين' عوائق عدة تحد من فعالية جهود مكافحة الاتجار، أبرزها حصر الجريمة في مجالات ضيقة مثل العمل الجبري أو الدعارة أو التسول، دون الاعتراف بأنماط أخرى مثل الزواج القسري. كما بيّنت وجود ثغرات قانونية في قوانين العمل، والعقوبات، والإقامة والأجانب، إضافة إلى افتقار قانون منع الاتجار بالبشر لتعريفات أساسية مثل العمل الجبري، السخرة، والتسول المنظم.

وأشار البيان كذلك إلى معيقات تتعلق بفترات التقادم القانونية، التي تمنع ملاحقة الجناة بعد مرور سنوات من ارتكاب الجرم، رغم أن جرائم الاتجار تتطلب وقتًا طويلًا للتحقيق بسبب طابعها السري وصعوبة الإثبات. وفي هذا السياق، طالبت اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الفساد بسن فترات تقادم طويلة أو تمديدها في حال فرار الجاني من وجه العدالة.

وأكدت 'تمكين' أن بعض حالات الاتجار تتجاوز الحدود الوطنية، ما يستدعي تعاونًا دوليًا فعالًا بين بلدان المنشأ والعبور والمقصد، رغم ما تتطلبه هذه العملية من وقت وموارد وتنسيق معقد، مما يُعيق أحيانًا الملاحقات القضائية الناجحة.

وكشف البيان أن هشاشة العديد من الفئات في الأردن لا ترتبط فقط بالواقع الاقتصادي الصعب، بل تتفاقم بسبب سياسات تنظيم العمل، وضعف الرقابة، ووجود تمييز بنيوي راسخ في منظومة العمل، قائم على أساس النوع الاجتماعي أو الجنسية أو الوضع القانوني، مما يخلق بيئة خصبة للاستغلال ويُضعف من فرص الإنصاف والحماية لهذه الفئات. وتُعد العاملات في المنازل من أكثر الفئات عرضة للاتجار، نتيجة بيئة العمل المعزولة، والتبعية للكفيل، وغياب آليات تفتيش فعّالة، مما يفتح الباب أمام انتهاكات لا تُرصد إلا في مراحل متأخرة.

كما تواجه العمالة المهاجرة القادمة من دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا أوضاعًا شديدة الهشاشة، لا سيّما في ظل الممارسات التي تُقيّد حرية التنقل والعمل، إذ يرتبط العامل بصاحب العمل من خلال تصريح العمل، ما يخلق علاقة تبعية فعلية تُستخدم أحيانًا كأداة ضغط وتهديد، خاصة في ظل ضعف المعرفة القانونية وغياب قنوات شكوى فعّالة وآمنة. وفي قطاعات الزراعة والإنشاءات والخدمات، يعمل آلاف العمال غير الأردنيين دون تصاريح رسمية، مما يضعهم في موقع قانوني هش، ويمنعهم من التبليغ عن الانتهاكات خوفًا من الترحيل أو فقدان مصدر دخلهم.

أما اللاجئون وطالبو اللجوء، لا سيما من سوريا والسودان واليمن، فيواجهون مستويات مرتفعة من البطالة، وانعدام الأمن الوظيفي، وصعوبات في الحصول على فرص عمل، مما يُعرضهم لمخاطر الاستغلال الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر.

وأبرز البيان إلى أن النساء والفتيات في المناطق المهمشة والمخيمات يتعرضن لأشكال متعددة من الهشاشة، حيث يتقاطع الفقر مع تدني التعليم، وغياب الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ما يجعلهن أكثر عرضة للزواج القسري، التسول، أو الاستغلال – وهي أنماط تُصنّف كاتجار بالبشر بموجب القانون الدولي.

وعلى صعيد الأرقام، كشفت 'تمكين' أنها تلقت 34 شكوى لضحايا محتملين للاتجار بالبشر خلال الفترة بين كانون الثاني 2024 ونهاية حزيران 2025، منها 27 شكوى خلال عام 2024، و7 في النصف الأول من 2025، ما يعكس استمرار هذه الممارسات رغم التحركات الرسمية.

وتنوّعت الشكاوى بين حالات احتجاز الحرية ومصادرة الجوازات (20)، تأخير أو عدم دفع الأجور (18)، الحرمان من الغذاء أو العلاج (14)، الحرمان من الاتصال بالعائلة (9)، الاعتداء الجسدي أو اللفظي (13)، العمل القسري دون إجازات ولساعات طويلة (16)، والعمل في أكثر من موقع خلافًا للعقد (6).

وأكدت 'تمكين' أن خطورة هذه الانتهاكات لا تكمن فقط في العدد، بل في تشابكها ضمن كل حالة، مما يدل على بيئات تُتيح تعدد أنماط الاستغلال دون رقابة كافية، خاصة في القطاعات المغلقة.

وتشير الإحصائيات الواردة في بيان 'تمكين' إلى تصدر الجنسية الإثيوبية قائمة الشكاوى بـ 16 شكوى، تليها الجنسية النيبالية بـ 5 شكاوى، ثم الأوغندية بـ 4 شكاوى، والفلبينية بـ 3 شكاوى، وأخيرًا الجنسية الغانية بشكويين. هذه البيانات تسلط الضوء على التحديات التي تواجه العمال والعاملات غير الأردنيين/ات، خاصة في ظل استمرار نظام الكفالة المُطبق على أرض الواقع الذي يؤثر على حقوقهم ويحد من قدرتهم على الحصول على الإنصاف القانوني. لذلك من المهم العمل على تعزيز آليات الحماية القانونية وتطوير السياسات لضمان حقوق العمال المهاجرين وتحسين ظروف عملهم بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وأكدت 'تمكين' أن النساء يشكلن النسبة الكبرى من ضحايا الاتجار، خاصة عاملات المنازل، حيث يتعرضن لممارسات تمسّ كرامتهن الإنسانية، مثل حجز الوثائق، وحرمانهن من الأجور، والعزل عن العائلة، والعمل لساعات مرهقة – وهي ممارسات تُعد قانونًا ضمن جريمة الاتجار بالبشر.

وأشارت 'تمكين' إلى أن انخفاض عدد الشكاوى لا يعكس بالضرورة الحجمَ الفعليي للانتهاكات التي يتعرضون لها. فهناك العديد من العوامل التي تحول دون تقديم الشكاوى، من بينها الخوف من التسفير والإبعاد، الذي يُعد أحد التحديات الرئيسية نظرًا للصلاحيات القانونية الممنوحة للحاكم الإداري بموجب قانون الإقامة وشؤون الأجانب، حيث يمكنه توقيف الأجانب وإبعادهم دون الحاجة إلى تقديم أسباب واضحة. إضافة إلى ذلك، يواجه الضحايا عقبات أخرى مثل ضعف المعرفة القانونية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات اللازمة، والحواجز اللغوية التي تعيق قدرتهم على التعبير عن معاناتهم أو المطالبة بحقوقهم بصورة فعّالة.

وبينت أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في العدد المتزايد للحالات، بل في الطبيعة المعقدة لهذه الانتهاكات التي تتداخل فيها أنماط متعددة من الاستغلال داخل كل حالة. هذا الأمر يعكس وجود بيئات عمل تفتقر إلى الرقابة الفعالة والإجراءات الرادعة، خاصة في القطاعات المغلقة التي تُعتبر أكثر عرضة لهذه الممارسات.

وشددت 'تمكين' على أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تعزيز الإرادة السياسية وتبني إصلاحات جوهرية تشمل تعديل التشريعات وتطوير المؤسسات ذات الصلة، إضافة إلى تخصيص موارد كافية لدعم الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. إلى جانب اعتماد نهج شامل يركز على الوقاية وحماية حقوق الإنسان، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر عرضة للخطر، ذلك بما يتوافق مع الالتزامات الدولية والدستور الأردني.

كما حثت على الاستفادة من تجارب إقليمية مثل تونس، مثل تونس التي سنت قانونًا شاملًا عام 2016، والمغرب الذي أنشأ مرصدًا وطنيًا مختصًا بالضحايا، ولبنان التي خصصت وحدة بمكتب النائب العام بالتعاون مع المجتمع المدني لملاحقة هذه الجرائم.

واختتمت 'تمكين' بيانها بالتأكيد على أن مكافحة الاتجار بالبشر ليست مسؤولية جهة واحدة، بل تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني، ترتكز على احترام الكرامة الإنسانية، وضمان الوصول إلى العدالة، وتكريس مبدأ عدم التمييز في الحماية والتعويض، بما ينسجم مع الدستور الأردني والتزامات المملكة الدولية.