التشكيلي غوانمة: أجتهد على تطوير ذاتي فنيا بثلاثية الأدوات والتكنيك والرؤى

عمان- يركز الفنان التشكيلي الأردني شادي غوانمة في جل أعماله الفنية المقتبسة من الواقع وبنات أفكاره التي تتماشى مع رؤية العصر، على الأسلوب المتناغم الممزوج بـ'الواقعية والتجريد'، لينتج منها تجربة ثرية على المستويين الفكري والبصري، في محاولة منه لإيجاد خط خاص به، رغم أنه يجيد  المدارس التشكيلية كافة.

ويعتبر غوانمة الذي درس الرسم في مرسم الفنان محمود أسعد جمعة في الرمثا لمدة سنتين، وهو الذي كان له الفضل في إرشاده إلى الطريق السليم في عالم الفن التشكيلي، أن الإنتاج الفكري مصدرا خصبا لإلهامه، والذي يستوحي منه أعماله التشكيلية الإبداعية.

وهو ما يدفعه إلى تقديم طرح جديد للتنمية الأساسية التي يرتكز عليها في إنتاج أعماله الفنية لمعالجة قضايا مجتمعية وتنموية، وكثير منها تحمل مضامين تتعلق في مجمل القضايا مثل، القيم الإنسانية والحرية وغيرها من القضايا المصيرية، والتي تخص القضية الفلسطينية، وأحداث غزة وفق ما أكد في سياق حديثه لـ'الغد'.

ويقول: 'إن التنوع والتجديد والتفاعل يبني قواعد التعبير في الشكل والمضمون للعمل الفني التشكيلي، وفق رؤى تستمد من الواقعية والرمزية'.

ويعتمد غوانمة على مدى ثلاثة عقود ونيف عاشها في حب الفن التشكيلي، على دهائه وفطنته للمساهمة بحد كبير في عملية دمج المدارس والأساليب التشكيلية في أغلب أعماله الفنية، التي تحاكي الواقع وتسرد ذاكرته في إطار التوجهات والرؤى بدءاً من الكلاسيكية إلى الحداثة والوحشية والتعبيرية والتجريدية، الذي لامس من خلالها التجديد واقتبس منها حالة تفاعلت مع وجدانه.

ويحتفي غوانمة في فضائه التعبيري التجريدي الذي يعتبره المحاكاة البصرية العميقة التي تنبش كل ما يجول في خاطره من أحاسيس ومشاهدات ومعايشة الواقع، التي تتسم بالنضج  الفكري، الذي يحاول الفنان من خلاله تقديمه للمتلقي ودخوله حالة من التأمل لتجربته وقيمته الإبداعية في تشكيله النص البصري، ليؤسس تطورا تقنيا في أساليب التشكيل من خلال، اعتماده أو الاعتماد على تعدد الخامات التي يشتغل عليها الفنان التشكيلي من شكل اللوحة ومضمونها ومحتواها اللذان يتواءمان مع الحالة التي استوحاها من بنات أفكاره ومخيلته، الواسعة الأفق، ليقدم مضامينه الفكرية التي تعتمد على مزيج من الصورة الفنية التي تتكلل باللون في بنائها والتقنيات التشكيلية في الخامات المستخدمة في العمل.

وينغمس غوانمة في الهوية والتراث والثقافة والمعرفة والذاكرة، فكل الرموز تعني الإنسان والأرض وكل التحديات تعني البقاء في استغلال المساحة المتاحة وتعبئة الفراغات بالكتل اللونية، ليظهر شكل ومضمون الصورة النهائية المرتسمة معمقة بالأحاسيس المندفعة من عمقه المنتمي إلى وطنه الحاضر في جل أعماله سواء بالتعبير أو بالرمزية التشكيلية، التي هي حاضرة بشكل وافر في الوريث الجمالي، والتي تسكن أعماله الفنية، ويحفرها في  لوحات متناسقة في الفكرة الفنية والتعبيرات الزاخرة بالجمال.

وتتميز تجربة غوانمة بالفكرة والتطور التقني، فمخزونه الفكري والثقافي والمعرفي الذي تشكل بالقراءة في صنوف الأدب والفكر جعل له خصوصية في تكوين لوحاته الفنية وبنائها المنبعث من فكرة يستقيها من قول أو قصة أو ملاحظة من تجاربه الحياتية، وفق ما أكده: 'أجتهد دوماً على تطوير ذاتي فنيا من خلال استخدام أدوات وتكنيك وفكرة ورؤى وألوان وأشكال تتطابق مع مفهوم اللوحة الفنية التشكيلية في فضائها البصري بحيز إبداعي'، مشيراً بقوله: 'ما يهمني تقديم رؤيتي التشكيلية لكل الناس'، مشيراً إلى مشاركته في معرض أجنحة عربية في جدة في المملكة العربية السعودية العام 2015، وكان من بين الفنانين المشاركين بلوحتين للفنانين بيكاسو وفان كوخ.

ويحتل الفكر مكانة عالية عند غوانمة في صياغة لوحاته وتذويب ألوانه على سطح اللوحة، معبراً عن دواخله وفكره الناضج ووعيه الإنساني والمجتمعي، فاللوحة رسالة إعلان لبدء مسيرته في اللوحات الزيتية ليمر في مراحل فنية ناتجة عن تجاربه التي تعرفنا إليها من لوحاته الزيتية في معارضه الشخصية والجماعية التي شارك فيها، مشيرا إلى أنه يتعمق كثيرا في عالمه التشكيلي الإبداعي الذي أفنى فيه جل عمره معتكفاً في خباياه للبحث والتحري في تقديم صورة تشكيلية تبهر ناظرها وتجعله في دوران ذهني، ليحلل ويفكفك ما ترنو إليه اللوحة من أسرار وألغاز، فكل لون له اكتشاف خاص يصمم ويشكل بانسيابية ملائمة للفكرة التي تنبثق عنها معالم الحالة التصويرية على خلاف الأخرى.

واختتم غوانمة حديثه قائلاً: 'إن الأردن يمتلك العديد من الفنانين التشكيليين الذين يضاهون فناني العالم ولو كانوا في زمن الفرنسي رينوار والإسباني بيكاسو لنالوا العالمية نفسها، داعياً القائمين على المسألة الثقافية والإبداعية إلى أن يهتموا بالفنان الأردني كونه منجما من مناجم الإبداع الثقافي ليحتل مكانة مرموقة'. 

ويذكر، أن التشكيلي شادي غوانمة أحد أعضاء رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وعضوا في الجمعية العربية للفكر والثقافة، ومؤسس فريق 'عبق الشمال الفني'، ومدرب رسم في مركز زها الثقافي للفئات العمرية تحت سن (16) عاما، وصاحب مركز بيكاسو الخاص لتدريب الفنون في الرمثا، وله العديد من المعارض الشخصية. وشارك في العديد من المعارض المشتركة في الأردن منذ العام (1992)، وهناك معارض دولية شارك فيها، أبرزها في سورية العام 2001 واليونان (2007 - 2008)، وجورجيا (2010)، وتركيا (2012) والمملكة العربية السعودية (2014 - 2015)، وإيطاليا (2015)، ومصر (2016)، وفلسطين (2016) و(2022).

وتم تكريمه في حفل الفنون التشكيلية في مدينة الرمثا بمناسبة 'الرمثا تكرم مبدعيها العام 2016'، إلى جانب تكريمه في حقل الإبداع في بلدة سحم الكفارات في إربد، من المؤرخ البروفيسور يوسف غوانمة، وأيضا تكريمه بمناسبة 'مئوية مدرسة حسين الطوالبة'، في سحم الكفارات من دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة.

وبرزت أعمال غوانمة في القراءتين النقديتين اللتين قدمهما الناقد والكاتب عبد الرحيم جداية بعنوان (شادي غوانمة يسبر الواقعية ويحلق في التكنيك) و(نظرة في تجربة الفنان التشكيلي شادي غوانمة)، وكتبت أعماله في رسائل الماجستير للباحثة والطالبة المصرية هبة الطواب، من جامعة الأقصر بعنوان 'الأمومة ودلالاتها في فن الجرافيك على مر العصور' العام 2021، وكذلك كتبت أعماله في رسالة الماجستير للطالبة والباحثة المصرية فاطمة محمود جامع من جامعة الأقصر بعنوان (الاتجاهات الفنية للصورة التشكيلية في فنون الكتاب المعاصر) سنة 2022، وذكرته الكاتبة إيمان كريمين في روايتها جدائل الصبر، وكان الفنان شادي غوانمة شخصية من شخصيات الرواية، حيث أقيم معرض للفنان شادي غوانمة في يوم توقيع الرواية في الجمعية العربية للفكر والثقافة في الرمثا، وتم ذكره في إحدى قصص مجموعة الكاتبة حنان باشا القصصية بعنوان 'أزهار البنفسج'.