اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
تشكل عمالة الأطفال في الأغوار تحديا اجتماعيا واقتصاديا، فالقطاع الزراعي الذي ينظر إليه كشريان حياة اقتصادي ومصدر رزق أصبح مرتعا لطفولة ضائعة.
فمناطق الأغوار التي تعد سلة غذاء الأردن تتشابك فيها خيوط الفقر والتسرب المدرسي لتنسج واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية”عمالة الأطفال”، فمستقبل أبنائه يواجه خطر الضياع في المزارع ما دفع العديد من الجهات إلى بذل جهود مجتمعية لمواجهة الظاهرة المتزايدة.
وتشكل عمالة الأطفال في المناطق الريفية والزراعية تحديا كبيرا لا يمكن عزله عن الوضع الاقتصادي المتمثل بالفقر والبطالة ومحدودية فرص العمل، إذ يضطر نحو 45 % من الأطفال العمل في الزراعة لمساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش.
ويرى عدد من الخبراء أن برامج التمكين الاقتصادي تعد الحل الأمثل لمعالجة الظاهرة من جذورها، إذ إن توفير دخل ثابت ومستدام للأسر أو معيلها سواء كان الأب أو الأم من خلال توفير فرص العمل أو دعم المشاريع الصغيرة والمنزلية سيعزز الجهود المبذولة للتركيز على دخل الأسرة الآمن بدلا من التركيز على دخل الطفل الهش والمتقطع.
أثر مستدام لمواجهة ظاهرة متجذرة
ترى رئيسة جمعية تطوير وإعمار الخيرية سيرين الشريف أن التنمية ليست مجرد مشاريع إغاثية عابرة بل أثر مستدام يغير حياة الأسر، موضحة أن الجهود التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني تعدف إلى تبني إستراتيجية بعيدة المدى لأن التمكين الاقتصادي للأسر يعد خط الدفاع الأول لانتشال الأطفال من حقول العمل إلى مقاعد الدراسة.
وتقول، “الاعتماد على الحملات التوعوية أو العقوبات القانونية وحدها غالبا ما تكون غير كافية في المناطق الزراعية، فالدافع الرئيس لعمالة الأطفال هنا هو الحاجة المادية الملحة وغياب مصادر دخل بديلة ومستدامة للأسرة،” مضيفة “يجب أن تبنى الإستراتيجيات على استهداف جذور المشكلة وليست أعراضها، فالتركيز على دخل الأسرة يمكنها من تغطية النفقات الأساسية (الغذاء، التعليم، الصحة) دون الحاجة إلى “أجر الطفل” الضروري لبقائها.”
وتشير إلى أنه كلما زاد استقرار الأسرة الاقتصادي زادت قدرتها على تقدير قيمة التعليم على المدى الطويل، ما يدعم القرارات المنزلية بمنع عمل الطفل، مؤكدة أن إتاحة فرص عمل للأمهات في قطاعات مثل التصنيع الغذائي أو السياحة المجتمعية يقلل اعتماد الأسرة على الأجر اليومي المتغير من العمل الزراعي الموسمي.
وتذكر أن الجمعية تعمل منذ سنوات على محورين متوازيين التمكين الاقتصادي للأسر والحماية المجتمعية والتعليم للأطفال، موضحة أن جهود الجمعية تشمل برامج للتصنيع الغذائي، ومشروعا اجتماعيا سياحيا رائدا هو مطعم بيت سويمة، الذي يوفر فرص عمل للشباب والنساء، كأحد السُبل لانتشال الأسر من دائرة الفقر التي تدفع أطفالها إلى سوق العمل، إضافة إلى العديد من الشراكات الإستراتيجية مع مؤسسات دولية ووطنية كبرى، من بينها نهر الأردن ومنظمة بلان إنترناشونال التي ركزت على محوري التعليم وحماية الطفل.
أرقام تكشف خطورة المشهد
يلفت ميسر مشروع “إشراق 3″ للحد من أسوأ أشكال عمالة الأطفال منير العواجنة أن الأرقام والإحصاءات الصادمة تسلط الضوء على عمق الأزمة، إذ إن المشكلة تجاوزت المعدلات المقبولة، مشيرا إلى أن نسبة عمالة الأطفال في الأردن على المستوى الوطني ما يقارب 2 % عام 2025، ما يزيد على 100،000 طفل عامل 60 % منهم ينخرطون في أعمال خطرة، إذ يعمل %32 منهم في الزراعة، و28 % في تجارة الجملة والتجزئة.
ويقول،” أما في منطقة الأغوار فالصورة تبدو أكثر قتامة بالنظر إلى أن تعداد السكان، ففي لواء الشونة الجنوبية مثلا الذي يبلغ عدد سكانه ما يقارب 60 ألف نسمة فتشير التقديرات الميدانية التي اعتمدت على مسوحات 2018–2024 ( للأردنيين والسوريين ومجموعات الدم) تكشف عن وجود نحو 8،477 طفلًا عاملًا بنسبة تقارب من 10 % من مجموع الأطفال، موضحا أن تتوزع بشكل مقلق قطاع الزراعة بنسبة 45 % والبيع العشوائي بنسبة 30 % والميكانيك والحرف بنسبة 15 % والتسول بنسبة 10 %.
ويعزو العواجنة ارتفاع هذه النسب في الأغوار إلى عوامل تشمل الاعتماد الكبير على الزراعة، وتعدد الجنسيات، بالإضافة إلى وجود مجموعات الدُم الرحالة التي تمارس العمل غير النظامي والبيع العشوائي.
الاستثمار في الأسرة هو استثمار في مستقبل الطفل
يقول منسق جمعية تضامن نساء الأردني في منطقة الأغوار أمجد العدوان: “التمكين الاقتصادي المستدام للأسر لا يمثل مجرد حل، بل هو الضرورة القصوى والأكثر فاعلية لمكافحة عمالة الأطفال، فالتمكين هو “درع الحماية” الذي يوفر للأسر القدرة على الصمود في وجه الفقر ويمنح الأطفال الفرصة الحقيقية للتحرر من العمل القسري والعودة إلى مقاعد الدراسة لبنا مستقبلهم،” موضحا أن مشاريع التمكين التي تتيح للنساء دورا اقتصاديا قياديا غالبا ما تكون ذات أثر مباشر في حماية الأطفال إذ تميل النساء إلى استثمار الدخل مباشرة في صحة وتعليم الأبناء.
ويضيف أن إستراتيجية التمكين الاقتصادي تصبح أكثر قوة عند دمجها مع برامج التعليم المساند والتعليم غير الرسمي، موضحا أن الأسرة التي تم تمكينها اقتصاديًا تكون أكثر استعدادًا لإرسال أبنائها المتسربين إلى برامج التعليم غير الرسمي لاستكمال دراستهم والحفاظ على بقاء الطفل في المدرسة أو الالتحاق بالتدريب المهني بدلًا من سحبه.
التنمية المتكاملة والتعليم كفرصة ثانية طوق نجاة
في مواجهة مباشرة مع التسرب المدرسي الذي يغذي سوق العمل، تشير خبيرة التمكين الاقتصادي في جمعية إعمار وتطوير وادي الأردن شفاء العجرمي إلى أن برنامج التعليم غير الرسمي يبرز كنافذة أمل وطوق نجاة لكثير من الأطفال الذين أعادهم إلى مسار التعليم المساند، أو أهلهم للدخول في مسارات مهنية نظامية مستقبلًا، مبينة أن التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في المجال شكل عاملا حاسما في مواجهة عمالة الأطفال ليس فقط من خلال التعليم ولكن عبر حملات التوعية والدعم المباشر للأسر وبرامج الحماية المجتمعية التي تهدف إلى الحد من الدفع المبكر للأطفال إلى سوق العمل.
وتنوه إلى “أن مثلث الدمج بين التعليم غير الرسمي والتمكين الاقتصادي للنساء والحماية المجتمعية يرسم نموذجا للتنمية المتكاملة، فرغم التحديات القائمة فإنه يوجد قصص النجاح تتوالد يوميا في صفوف التعليم ومشاريع التمكين تبرهن أن التغيير ممكن، وأن إنقاذ جيل الأغوار يبدأ بالشراكة والإصرار على منح كل طفل حقه في التعليم والأمان.
الشراكة بين المؤسسات المختلفة
ويؤكد العواجنة أن دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة هو دور تكاملي في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، إذ تتولى المؤسسات الحكومية تفعيل الأنظمة والتعليمات وتطبيق الرقابة ضمن نطاق اختصاصها للحد من هذه الظاهرة، في حين تعمل مؤسسات المجتمع المدني على استقطاب المشاريع الممولة من الجهات المانحة التي تركز على تمكين الأسر اقتصاديًا وتوفير برامج تدريبية وتشغيلية تسهم في سد الثغرات الاقتصادية التي تعد من أهم أسباب انتشار عمالة الأطفال، إضافة إلى تنفيذ برامج التعليم غير الرسمي وبرامج الحماية وتنمية مهارات الحياة.
ويبين أنه يوجد العديد من المشاريع الممولة من الجهات المانحة كمشروع عمالة الأطفال الممول من منظمة بلان انترناشونال، ومشروع مكاني الممول من مؤسسة نهر الأردن، واليونيسيف والذي يعنى بالتمكين الاقتصادي للفئات المهمشة، مشددا على ضرورة تعزيز سبل التعاون وبناء الشراكات مع كافة الجهات الداعمة والمعنية بقضايا الطفل والمرأة والتمكين الاقتصادي للنساء لتعزيز الجهود المبذولة في هذا المجال.- الغد