اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٣ أيار ٢٠٢٥
رم -
بقلم: د. ذوقان عبيدات
تتفاعل ردود الفعل المجتمعية، أو ممن يختطفون المجتمع، أو ممن يحاولون فرض الوصاية الأخلاقية والثقافية حسب رؤيتهم على المجتمع، في حين يميل الطرف الآخر إلى عدم الصدام معها؛ خوفًا من صدامه مع شرعيات قوية تفوق الشرعية القانونية!لقد قيل الكثير في القرار، وكأن هناك حكومة، أو سلطة، أو وزيرًا يريد تدمير المجتمع! ففي كل مفصل نسمع الاتهامات نفسها: تدمير الأسرة، تمييع الشباب، دمار الأجيال ، وأخيرًا تهميش المعلمين الأبطال الذكور الذين أبلوا بلاءً حسنًا…. إلخ.ليس المجال مناقشة هذه الأفكار صوابًا، أو خطأً، بمقدار توضيح أبعاد قرار تأنيث التدريس، وليس تأنيث المدارس!
(١)
واقع التدريس
لدينا مدارس حكومية، وخاصة تقارب ثمانية آلاف مدرسة.
ولدينا هيئات تدريسية تقارب مائة ألف معلم ومعلمة. ولدينا حوالي ٢،٥ مليون طالب وطالبة !
ومن الناحية الإحصائية البحتة:
عدد مدارس الإناث يفوق عدد مدارس الذكور. وعدد المعلمات ٧٠٪ من مجموع الهيئات التدريسية.
وعدد الطالبات يعادل عدد الطلاب.
وعدد الملتحقات ببرامج إعداد المعلمين بالجامعات يفوق كثيرًا جدّا عدد الملتحقين الذكور!
هذه الأوضاع وحدها تشير إلى اختلال كبير: طلاب ذكور يعادلون٥٠٪، ومعلمون ذكور يعادلون ٣٠٪ فقط!
وهذا يعني بوضوح أن طلابًا ذكورًا
لا يجدون معلمين ذكورًا!! فما الحل؟ هل نستورد لهم معلمين ذكورًا من الخارج؟ أم نكلف المعلمات بتدريسهم؟؟؟
(٢)
مستوى الأداء التدريسي
حتى الآن، فإن المعلمين الذكور هم من يدرسون الطلبة في الصفوف الرابع، والخامس، والسادس. وكان منتقدو التعليم من حراس المجتمع والأخلاق، يشكون من ميوعة الجيل، وتعرض الأطفال للتنمر، وضعف المدرسة، بل ويكيلون التهم للمعلمين الذكور بعدم الجدية، وضعف الانتماء للعمل، والبحث عن عمل إضافي…إلخ. ولم توجه مثل هذه التهم للمعلمات. فمدارس المعلمات' نسبيّا' أكثر أناقة، وأكثر انتظامًا، وأقل مشكلات. وفي ظل هذا الوضع ، لم نسمع من حرّاس الفضيلة إلا التهم نفسها: سيداو ، القهر الغربي،الهيمنة الأجنبية، تدمير الأسرة، ضياع الأجيال..،دمار الأمة!
فالتهم تحريضية جاهزة، لا علاقة لها بقرار تربوي، حتى لو عدنا لمناهج القرن السابع الميلادي، ومناهج قرون الظلام. فالمعلمات أكثر انتظامًا، وربما أكثر فاعلية إذا ما تلقين دعمًا تأهيليًا ورسميّا ومجتمعيّا. فالتعليم ليس مهنة نسائية، ولكنها تلائم النساء، والنساء يحتملنها أكثر. كما أن التعليم يوفر إجازات أكثر تحتاج لها المرأة في تدبير شؤون المنزل.
(٣)
المعلمة والنموذج الذكوري
لا أدري كيف نلحق الضعف والميوعة بوجود نموذج المرأة المعلمة في الصف الذكوري !ولماذا تنبهوا لغياب النموذج الذكوري الآن.
نحن أمام الحقائق الآتية:
-هناك حوالي٢٥٪ من الأسر الأردنية تديرها امرأة، وذلك بسبب هروب النموذج الذكوري من أسرته.
-وهناك نسبة ليست معدودة من الأسرة يفوق فيها النموذج النسائي القوي على نموذج ذكوري ضعيف، حيث السلطة، أو'التسلط' للمرأة! يعني النموذج الذكوري ليس فاعلًا فيها.
-وهناك نماذج ذكورية في بعض الأسر، يتحلل النموذج الذكوري منها طوعًا!وهذا نموذج ذكوري مهمل!
وفي غياب النموذج الذكوري الفاعل، وحسب قوانين الطبيعة، يمتلىء الفراغ تلقائيًا بالنموذج النسائي، الذي يتحمل المسؤولية بإمانة وإخلاص! فالمرأة توجد في مكانين:
الأول، وهو مكانها الطبيعي في الأسرة والعمل.
والآخر، وجودها في كل مكان ينسحب منه طوعًا النموذج الذكوري!
إذًا! وجود النموذج الأنثوي أمام الطلبة الذكور هو طبيعي أحيانًا،
وضرورة في بعض الأحيان.
وفي كلتا الحالين: هو نموذج إيجابي، وليس عارًا أن تدرس المعلمة المرأة طلابًا ذكورًا!
وقد اعتاد الذكور رؤية نموذج المعلمة في سنتي الروضة والصفوف الثلاثة الأولى، واعتاد رؤية نموذج الأم، ولذلك لن 'يُصدم' برؤية نموذج المعلمة في بقية الصفوف وحتى التوجيهي!
(٤)
لكي ينجح نموذج المرأة!
قد تواجه المعلمة في تعاملها مع الطلبة الذكور بعض المشكلات، وقد تفوق هذه المشكلات قدرة بعض المعلمات، وهذا طبيعي جدا، وقد يحصل مع المعلمين الذكور أيضا!
فما الحل؟
هل نكلف الشرطة بتعليم هؤلاء؟
أم ندعم المعلمات: ماديّا وتربويّا؛
لنرفع من قدرتهن على مواجهة تحديات ناتجة عن تعليم الذكور!!
تحتاج المعلمة كما المعلم إلى إعداد مِهني، ودعم سيكولوجي، ودعم مجتمعي.
أنا ممن يقولون: التعليم الجيد يعتمد على المعلم الجيد، بغض النظر عن الجنس، مع قدرة المرأة على توفير بيئة أكثر ملاءمة للتعلم الجيد!
ولكل ما سبق، فإنني أدعم قرار الوزارة بكل قوة، وأرى ظلمًا في اتهام القرار بالسيداوية، والسوداوية! مع أني لا أرى في السيداوية ما يراه بعضكم من عيوب!
فهمت عليّ جنابك؟!!