اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٤ أيار ٢٠٢٥
التحديات التي تواجه التلفزيون وكيف يمكن التغلب عليها
عامر الصمادي
متخصص بالاعلام التلفزيوني والرقمي
لعب التلفزيون دوراً محورياً في تشكيل وعي المجتمعات، ونقل الأخبار، وتقديم الترفيه لملايين الناس حول العالم. منذ ظهوره في الثلث الاول من القرن العشرين، لكنه اليوم يواجه مجموعة من التحديات غير المسبوقة، لا تهدد مكانته فحسب، بل تهدد وجوده ذاته كوسيلة إعلامية تقليدية. فما هي أبرز هذه التحديات؟ وكيف يمكن التغلب عليها ليبقى التلفزيون وسيلة ذات قيمة في عالم يتغير بسرعة مذهلة؟ لعل ابرز هذه التحديات تتمثل فيما يلي:
أولاً: تغير سلوك الجمهور
ان أحد أكبر التحديات التي تواجه التلفزيون اليوم هو تغير سلوك المشاهدين، اذ لم يعد الناس ينتظرون موعد بث برنامجهم المفضل كما كان جيلنا يفعل او ان نجلس امام الشاشة قبل ان يبدأ البث بانتظارالسلام الملكي ثم آيات من القرآن الكريم فالصور المتحركة،بل باتوا يفضلون المشاهدة عند الطلب (On Demand) عبر الإنترنت ولان الجيل الجديد نشأ على الهواتف الذكية، واليوتيوب، والنتفليكس، فانه لا يرى في التلفزيون التقليدي ما يشد انتباهه ويكمن حل هذه المعضلة بتطوير المحتوى وتقديمه بمرونة والتخلي عن النمطية وأن يتحول إلى منصة مرنة تواكب تطلعات الجمهور و يمكن تحقيق ذلك من خلال:
إطلاق تطبيقات ذكية للبث التفاعلي.
إتاحة المحتوى عند الطلب.
تقديم برامج قصيرة وسريعة الإيقاع تناسب نمط الحياة الحديث.
ثانياً: المنافسة الشرسة من المنصات الرقمية
تقدم المنصات الرقمية محتوى جذاباً، متعدد اللغات، وبتقنيات عالية الجودة، مما يجعل المنافسة معها صعبة و يُضاف إلى ذلك أن هذه المنصات توفر أدوات دقيقة لاستهداف الجمهور بناءً على الاهتمامات والعادات، وهو ما لا يستطيع التلفزيون التقليدي تحقيقه بسهولة وبالتالي فان الحل يجب ان يكون بالتحول إلى الإعلام الرقمي المتكامل فيجب أن تتوسع محطات التلفزيون في البث عبر الإنترنت و الاستثمار في تحسين واجهات المستخدم وتجربة المشاهدة الرقمية و التعاون مع صناع المحتوى الرقمي والمؤثرين لخلق محتوى مشترك يجذب الجماهير من مختلف الفئات.
ثالثاً: التكاليف المرتفعة
يتطلب تشغيل قناة تلفزيونية ميزانيات ضخمة تشمل المعدات والأستوديوهات و الطاقم الفني، والتراخيص و البث الفضائي والكهرباء(واذكر هنا ان فاتورة الكهرباء كانت لسنة واحدة في التلفزيون الاردني مليون ونصف دينار) في حين أن المنصات الرقمية تتيح بث المحتوى بأقل التكاليف، مما جعلها أكثر جذبًا للمستثمرين والمعلنين.
ويكمن الحل هنا في ترشيد النفقات وإعادة هيكلة التشغيل و الاستغناء عن بعض الهياكل التقليدية المكلفة و الاستثمار في الأتمتة والتحول الرقمي لتقليل التكاليف التشغيلية وكذلك تبني نموذج 'الإنتاج المشترك' مع شركات أو جهات خارجية لتقاسم التكاليف.
رابعاً: محدودية التفاعل مع الجمهور
في عصر التفاعل الفوري، بات المشاهد يتوقع أن يشارك برأيه، ويعلّق، ويشارك المحتوى، وهو أمر يصعب تحقيقه عبر التلفزيون الذي يعتمد على البث أحادي الاتجاه وبالتالي فان الحل لهذه المشكلة يكون بدمج أدوات التفاعل في البث و إنشاء برامج تفاعلية تدمج بين البث المباشر والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) في البرامج لجذب المشاهدين وفتح قنوات للمشاركة الحية عبر التطبيقات الذكية.
خامساً: هيمنة السلطة والرقابة في بعض الدول
يخضع التلفزيون الرسمي أو الخاص في بعض الأنظمة لرقابة صارمة تحد من حرية التعبير وتجعل المحتوى بعيداً عن هموم الناس الحقيقية، مما يؤدي إلى عزوف الجمهور عنه والانصراف الى وسائل اخرى وهنا يكون الحل بتعزيز الاستقلالية والمصداقية من خلال :
تبني نماذج إعلامية مستقلة أو شبه مستقلة تتيح للتلفزيون نقل الواقع بموضوعية.
تنمية ثقافة الحوار والانفتاح في البرامج التلفزيونية.
تقوية الصحافة الاستقصائية التلفزيونية التي تساهم في كشف الحقائق وتثقيف المجتمع.
سادساً: ضعف التوجه للشباب
كثير من المحتوى التلفزيوني لا يخاطب الفئة الشابة، أو يعرض صورة نمطية عنها، مما يؤدي إلى انقطاع العلاقة بينها وبين الشاشة التقليدية ويكون الحل هنا بإنتاج محتوى خاص بالشباب وإشراكهم في صناعة المحتوى، من خلال ورشات عمل ومسابقات مفتوحة وإنتاج مسلسلات وبرامج شبابية تعكس الواقع والتحديات المعاصرة بلغة قريبة منهم اضافة الى دمج الموسيقى و الألعاب الإلكترونية في البرامج لجذب هذه الفئة.
سابعاً: القيود الجغرافية والبث التقليدي
ما زالت بعض القنوات تعتمد على البث الفضائي والارضي الذي يفرض حدوداً جغرافية على جمهورها، في حين أن الإنترنت ألغى هذه الحدود تماماً فيجب هنا التوسع في البث عبر الإنترنت ومنصات التواصل و نشر المحتوى على 'يوتيوب'، و'إنستغرام'، و'تيك توك'، وغيرها من المنصات اضافة الى تقديم محتوى مترجم أو مدبلج للوصول إلى جمهور عالمي والاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الجمهور وتحسين جودة المحتوى والتفاعل.
ثامناً: ضعف الابتكار في الشكل والمحتوى
يعاني التلفزيون في كثير من الاحيان من تكرار النماذج نفسها في البرامج والدراما، ما يجعل المشاهد يشعر بالملل والرتابة فتجد نفس الشخصيات يتم استضافتها مرارا وتكرارا او نفس الفكرة يتم اعادتها باشكال مختلفة في الدراما فلا بد من تشجيع الابتكار والتجريب من خلال:
فتح المجال أمام الشباب والمبدعين لتقديم أفكار جديدة.
دعم التجارب الفنية الحديثة، سواء في التصوير أو الإخراج أو المعالجة الدرامية.
التعاون مع كتّاب وصناع محتوى من خلفيات متنوعة لإثراء الطرح.
واخيرا ما هو مستقبل تلفزيون الغد – هل من فرصة؟
رغم كل التحديات التي تحيط بالتلفزيون، إلا أنه لم يفقد كل فرصه بعد. فالجهاز الذي شكل الوعي الجمعي لعقود يمكن أن يجد له مكاناً جديداً إذا قرر أن يتغير، ويتبنى أدوات العصر، ويخاطب الجمهور بلغته.
لن يكون التلفزيون في المستقبل جهازاً مستقلاً، بل جزءاً من منظومة إعلامية رقمية متكاملة، تُدمج فيها الصورة مع الصوت والتفاعل والتحليل الفوري و النجاح لن يكون فقط في الحفاظ على البقاء، بل في تقديم قيمة حقيقية، ومحتوى هادف، وتجربة مشاهدة تُشعر المتلقي بأنه جزء من القصة.
إذن، التحديات كثيرة، لكنها ليست مستحيلة. وبين يدي صناع الإعلام اليوم فرصة لصياغة تلفزيون جديد، ذكي، متفاعل، يعيد الثقة بينه وبين جمهوره، ويثبت أنه ما زال قادراً على التأثير في زمن السرعة والتحول الرقمي.