اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
رم -
بقلم: أحمد عبد الباسط الرجوب
يرى هذا المقال في انتخاب السيد مازن القاضي رئيساً لمجلس النواب محطة مهمة لتعزيز الدور الدستوري للمجلس في ظرف إقليمي حساس. حيث جاء مقالي من قراءة ما تمر به المنطقة ومن التحديات التي يواجهها الأردن، وفي مقدمتها ممارسات الكيان الاحتلالي وتداعيات الحرب على غزة وما يرافقها من انعكاسات أمنية وسياسية على دول الطوق، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية المحاذية للحدود الأردنية.
وفي ضوء هذه التطورات، تتأكد أهمية أن يمارس مجلس النواب، برئاسته الجديدة، دوره الرقابي والتشريعي بكفاءة أعلى، بما يحمي المصالح الوطنية ويعزز استقرار الدولة ودورها الإقليمي في الدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
الخلفية الأمنية كرأس مال استراتيجي في زمن التحدي
في هذا السياق الملئ بالتحديات، تمثل الخبرة الأمنية للقاضي أداة استراتيجية لا غنى عنها في قيادة المجلس، فهي تعني:
1. فهماً عميقاً لسيادة القانون: مدير الأمن العام السابق هو بالضرورة حارس للقانون، مما يجعله الأكثر قدرة على قيادة عملية تشريعية تحقق 'الأمن التشريعي' الذي تنعكس آثاره على الأمن المجتمعي والاقتصادي في ظل هذه الظروف.
2. إدارة المخاطر والازمات: العقلية الأمنية المدربة على قراءة السيناريوهات المعقدة وتداعيات القرارات، ستجعل عملية التشريع أكثر واقعية وأقل انفعالية في مواجهة العاصفة الإقليمية.
3. الرؤية الشمولية للأمن: الخبرة الأمنية تعلم القاضي أن الأمن في هذه المرحلة ليس مجرد سلامة أمنية، بل هو أمن مائي، وغذائي، وطاقة، واقتصادي، واجتماعي - وهي جميعها ملفات تشريعية ملحة تتصدر المشهد.
مساءلة رقابية فاعلة
من المتوقع أن يعمل السيد القاضي، بخبرته الواسعة، على تعزيز رقابة برلمانية حقيقية للأداء الحكومي، تقوم على محاسبة فعالة، قائمة على الشفافية والعدالة، وتهدف إلى الإصلاح قبل العقاب. كما ستعمل رئاسته على ترشيد الأداء البرلماني نفسه، من خلال كبح التغول والشعبوية، وضبط إيقاع الحوار البرلماني، وتحويل العلاقة مع الحكومة من منطق الصراع إلى منطق التكامل.
الشراكة الاستراتيجية مع الحكومة: من منطق الصراع إلى منطق التكامل
العلاقة بين التشريعي والتنفيذي في الأردن غالباً ما اتسمت بمنطق الصراع أحياناً، والقطيعة أحياناً أخرى. القاضي، بفضل خبرته الحكومية السابقة، يمتلك المفاتيح اللازمة لتحويل هذه العلاقة إلى شراكة استراتيجية من خلال:
1. لغة التفاهم المشترك: خبرة القاضي في العمل الحكومي تمنحه فهماً عميقاً لآلية عمل الحكومة، وتحدياتها، وطريقة تفكيرها، مما يسهل الحوار ويقلل من حدة الجدل العقيم.
2. الجسر الواقعي بين السلطتين: يمكن للقاضي أن يكون الجسر الذي ينقل هموم المواطن إلى الحكومة بلغة واقعية، ويشرح أولويات الحكومة للمجلس بلغة مقنعة، مما يخلق مساحة للتوافق على الحلول الوسط.
3. تحويل الأجندة الوطنية إلى حزمة تشريعية: الملفات العالقة (كقوانين الانتخاب والأحزاب والاستثمار ومكافحة الفساد) تحتاج إلى توافق وطني. القاضي، بموقعه الجديد وخبرته السابقة، يمكنه حياكة هذا التوافق وتحويله إلى حزمة تشريعية قابلة للتنفيذ.
التوازن الدقيق بين الاستقلالية والتكامل
التحدي الأكبر الذي يواجه القاضي هو الحفاظ على استقلالية المجلس ودوره الرقابي، وفي نفس الوقت بناء شراكة منتجة مع الحكومة، خاصة في خضم العاصفة الإقليمية. النجاح في هذه المعادلة الصعبة يتطلب:
1. رقابة ذكية: لا تهدف إلى إسقاط الحكومة، بل إلى تحسين أدائها في مواجهة التحديات.
2. تشريع عملي: لا يقتصر على الشعارات، بل يراعي الإمكانيات والظروف الاستثنائية.
3. حوار بناء: يقوم على الاحترام المتبادل والهدف المشترك لحماية أمن الأردن واستقراره.
الخاتمة: نحو عقد تشريعي جديد في زمن العواصف
تمثل قيادة القاضي فرصة تاريخية لإعادة هندسة العلاقة بين السلطتين (التنفيذية والتشريعية) على أسس جديدة من الثقة والتعاون. إذا نجح في تحويل خلفيته إلى رأس مال سياسي يخدم التوافق الوطني، وتعزيز التعاون مع مجلس الأعيان، فإننا سنشهد ولادة 'عقد تشريعي جديد' قادر على معالجة الملفات العالقة ومواجهة التحديات المقبلة، مؤسساً لنموذج أردني متميز في إدارة العلاقة بين السلطات.
باحث ومخطط استراتيجي












































