اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة الحقيقة الدولية الاخبارية
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
نثمّن كافة أدوات الردع المنصوص عليها في قانون السير رقم 49 لسنة (2008), وفقا لاخر التعديلات (2023)، ونقدّر عاليًا الجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة السير وطواقمها في تطبيق القانون وحماية الأرواح والممتلكات. فالردع ركن أساس في بناء منظومة مرور فاعلة، ولا يمكن لأي نظام أن ينجح دون رقابة وعقوبة عند الحاجة.
لكن، وقبل أن تكون المخالفة جزاءً، يجب أن تكون الطريق إنذارًا. وهنا تقع المسؤولية المباشرة على الجهات الفنية، وعلى رأسها مهندسو المرور في الجهات المسؤولة عن شبكة الطرق في المملكة، في أن تُوفّر بيئة طريق عادلة، واضحة، مُبلّغة، ومدروسة وفق الأصول الهندسية.
أولًا: عدالة المخالفة تبدأ من عدالة الطريق:-
في الدول المتقدمة – كالمملكة المتحدة، وكندا، والولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي – تُبنى منظومة الردع على قاعدة هندسية صلبة، تحكمها أدلة مرجعية صارمة مثل:
- Manual on Uniform Traffic Control Devices (MUTCD) في أمريكا.
- Design Manual for Roads and Bridges (DMRB) في بريطانيا،
- ومواصفات الاتحاد الأوروبي الموحدة.
وهذه الأدلة لا تسمح بوضع قارمة، أو فرض حد سرعة، أو تسجيل مخالفة، ما لم تسبقها دراسة مرورية معتمدة، وتحليل إحصائي، ومراجعة ميدانية تشمل ظروف الطريق وسلوك السائقين عليه.
أما في واقعنا المحلي، فنواجه مفارقات تُفرغ المخالفة من مضمونها وتحوّلها – في كثير من الحالات – من وسيلة ردع إلى أداة جباية، ومن تصحيح سلوك إلى ظلم مؤسسي.
ثانيًا: أمثلة واقعية تفتقر للعدالة الفنية:-
١) تحديد السرعة:
في الأنظمة المتقدمة، لا يجوز تحديد السرعة دون دراسة normal distribution لسرعات المركبات الفعلية على الطريق. السرعة تُوضع بناءً على 85th percentile – أي سرعة 85% من السائقين الطبيعيين. أما عندنا، فكثيرًا ما تُحدد السرعة بعشوائية – كأن تُوضع قارمة “60 كم/س” على طريق سريع – ما يجعل المخالفة غير مستندة إلى أساس علمي، ومجحفة بحق السائق.
٢) ممنوع الوقوف والتوقف:
لا يمكن اعتبارها مخالفة عادلة إلا بعد دراسة ميدانية لحجم الطلب على التوقف في الموقع، وتوفير بدائل عملية للسائق. أما تسجيل مخالفة في شارع مزدحم دون توفير موقف قانوني بديل، فهو ظلم هندسي.
٣) ممنوع المرور أو التجاوز:
هذه القارمات يجب أن تكون واضحة، مُبرَّرة، موضوعة في موقعها وفق تحليل فني دقيق، وبعدد كافٍ للرؤية المسبقة. في كثير من شوارعنا، تختفي هذه القارمات خلف الأشجار أو تُوضع فجأة دون تهيئة.
٤) تغيير المسارب:
لا يُعاقب السائق على تغيير مسرب إن كانت دهانات الطريق باهتة أو غير موجودة. فكيف يُحاسب على مسرب لا يراه؟ في بريطانيا، تُلغى المخالفة مباشرة إذا ثبت غياب العلامات الأرضية أو تآكلها.
ثالثًا: الأخطر من ذلك… الربط غير العادل بنظام النقاط:-
في حين أن أنظمة الدول المتقدمة تُعلّق أو تُسقط المخالفات إن كان الطريق غير مطابق هندسيًا، فإننا في الأردن نربط المخالفة – أياً كان سببها – بنظام نقاط يؤدي إلى سحب الرخصة. أي أننا لا نكتفي بمخالفة السائق، بل نحكم عليه بعقوبة تراكمية، حتى لو كان الطريق هو المخطئ!
رابعًا: دور نقابة المحامين والدفاع عن السائقين:-
أمام هذا الواقع، لا بد أن تتحمّل نقابة المحامين الأردنيين مسؤولية قانونية وأخلاقية في حماية حقوق السائقين الذين يُخالفون بناءً على بيئة طريق غير عادلة. ويشمل ذلك:
١) الطعن بالمخالفات أمام القضاء استنادًا إلى غياب العلامات أو الدراسات.
٢) المطالبة بخبرة فنية محايدة لفحص الموقع.
٣) الضغط لإنشاء هيئة اعتراض فنية قانونية مستقلة، كما هو معمول به في كندا وألمانيا والسويد، وغيرها.
٤) تدريب المحامين على الأساس الهندسي للمخالفات لتقوية حججهم أمام المحاكم.
خامسًا: دور المجلس الأعلى للسلامة المرورية:-
على المجلس الأعلى للسلامة المرورية، كمظلة وطنية جامعة، أن يضطلع بدور رقابي فعّال وإلزام الموسسات المسؤولة عن شبكة الطرق في مراجعة أدوات الردع، والتأكد من عدالتها، وارتكازها على أسس هندسية واضحة. ومن أبرز مسؤولياته:
١) تقييم البنية الفنية للمخالفات على مستوى المملكة.
٢) دعم إنشاء لجان هندسية قانونية مختصة بمراجعة المخالفات المعترَض عليها.
٣) إعداد تقارير فصلية عن عدالة تطبيق قانون السير.
٤) إطلاق برامج توعية وطنية تُفرّق بين المخالفة العادلة والمخالفة الناتجة عن غياب التخطيط.
سادسًا: المطلوب من الجهات الفنية المعنية:-
من هذا المنطلق، فإن الواجب المهني والوطني يُحتّم على مهندسي المرور في أمانة عمّان الكبرى، ووزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة الإدارة المحلية، ومن خلال كوادرهم المختصة، أن يُعيدوا النظر بشكل شامل وفوري في جميع المخالفات الواردة في قانون السير والتي ترتبط بعناصر الطريق وأثاثه، من قارمات تحذيرية وإرشادية، إلى العلامات الأرضية والدهانات ومسارب الطرق.
هذه المراجعة يجب أن تتم وفق معايير هندسية دولية واضحة، بما يضمن وضوح المخالفة ميدانيًا، ويُمكّن رجال السير من أداء واجبهم بعدالة، ويجنّب السائقين التعرض لمخالفات مجحفة قد تؤدي إلى سحب رخصهم دون وجه حق.
فالمخالفة لا تستقيم إذا لم تستقم البيئة التي وُضعت فيها.
وإذا أردنا نظامًا مروريًا يحترمه الناس، فيجب أولًا أن نحترم عقولهم وحقوقهم، وأن نُحمّل الطريق ما عليه قبل أن نُحمّل المواطن ما ليس عليه…