اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
السوسنة - مما قرأت وأعجبني عن الصين، ردة فعل حكامها على ما تعرضت له من إذلال على مدى قرن من الغرب المتوحش، حيث استنفرت كل شيء في البلاد ليثأروا منهم، فعلمت أطفالها في المدارس كيف أهين أجدادهم من الغرب (بريطانيا، فرنسا، أميركا) ثم أنشات متاحف تؤرخ لقرن الإهانة الصينية، ولم تخجل من ذلك ابداً ولم تدع انها انتصرت وهي مهزومة، بل جعلته حافزاً للمجتمع الصيني بكل فئاته من الطالب إلى المعلم الى أستاذ الجامعة، ومن الفلاح البسيط والعامل إلى المهندس والطبيب، ومن الموظف إلى الجندي والضابط، والقائد والرئيس.
مجتمع كامل ومعه الدولة، لم يتكلم ولم يعربد ولم يصنع بطولات وهمية يثبط بها أبناءه، لم يخدّر النشء بطبول واستعراضات وأهازيج وأغان تملأ المدارس، تزيف وعي الناشئة، بل على العكس من ذلك، أخبروا أطفالهم في الروضات والمدارس والجامعات، وصرخوا بالناس في الشوارع وفي دور السينما، أخبروا الأمهات والأباء، حفروا الأرض وشقوا السماء وأخبروهما بأننا 'أُهنّا' وعلينا أن نثأر كرامتنا ليس بالخطب والكلام الخيالي، بل بالعمل فعمل كل فرد بصمت وفي ذهنه الانتقام من الغرب المجرم الوقح.
لم يقبلوا متخاذلاً في الحكومة ولم يحتضنوا فاسداً في مؤسساتهم، لم يجاملوا ذا جاه أو مال، على حساب استرداد كرامتهم، لم يهدروا أموالهم للصوص، فاللص لا يثأر للوطن ولا يعيد للأجداد والأحفاد كرامتهم.
لم ينفقوا قرشاً واحداً إلا في مكانه الصحيح ويعتبرونه لبنة في بناء الصين التي تثأر لكرامتها، ليس عندهم إثراء إلا من العمل الجاد الذي يبني بلادهم، لا مكان بينهم لمن يثري على حساب الشعب، وهو لا يقدم لبلده شيئاً سوى الخذلان..
ما فعلته الصين هو أنها مزجت الشعب بالدولة، جعلت قوة الدولة تعمل لتوحيد الشعب والدولة على هدف واحد، كل مؤسسات الدولة تؤمن به، وتزرع في أفرادها التضحية بوعي لتحقيق هدف الدولة، وعندما تحقق لها هذا المزج ركزت الدولة على هدفها بصمت وكتمان وتجاهلت عربدة الغرب الرأسمالي، ولم يفطن إلا وهي تحلق في آفاق يصعب عليه الوصول إليها إلا بعد عملية تربوية وفكرية وثقافية، يصعب عليه تنفيذها بسبب طبيعة الإنسان الغربي وثقافة الاستهلاك التي صنعتها الرأسمالية، وهذا يحتاج من الوقت ضعف أو أكثر، مما احتاجته الصين للوصول إلى النهوض في غفلة من قوى الشر الغربي، والأكيد أن الصين استفادت من الصراع الاستعماري بين أميركا وأوروبا، للوصول إلى هدفها، لكن الغرب -أميركا وأوروبا- لن يستطيع العثور على عكازة في الصراع الدولي تسنده ولو لوقت قصير قبل الخروج على المعاش والانكفاء.
طبيعة الغرب المشغول بالجنس، وإفساد العالم، لا تستطيع مجاراة مليار ونصف المليار يعملون كخلية نحل لا تَفتُر، وفي ذهنهم شيء واحد فقط، بناء دولة قوية تستعيد هيبتهم وتمسح ذاك الذل الذي يجثُم على صدورهم، عملوا بجد واجتهاد، ولم يجلسوا في دور العبادة يتباكون، ويدعون الله أن يهلك عدوهم، - دون أخذ بالأسباب-، بل تمثلوا ما لم نتمثله نحن في قوله تعالى: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم....)