اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
ترامب أمام اختبار غزة: بين وعود السلام ومخاوف الحرب المتجددة #عاجل
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني -في تطورٍ مفصلي، وقّعت كل من حركة حماس ودولة الكيان الصهيوني قبل ساعات على المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة، في خطوةٍ وُصفت بأنها أهم اختراق سياسي منذ اندلاع الحرب المدمرة على غزة قبل سنتين. المرحلة الأولى تتضمن وقفًا لإطلاق النار وانسحاب جزئي لقوات الإحتلال داخل القطاع وتسليم الأسرى من الطرفين ، تمهيدًا لبدء ترتيبات أوسع تشمل الإنسحاب الكلي وتفكيك حركة حماس، ورفعًا تدريجيًا للحصار وإعادة الإعمار وإعادة تشغيل المؤسسات المدنية والإنسانية في القطاع تحت إشراف دولي وإقليمي.
ترامب يسعى لتتويج نفسه 'صانعًا للسلام'
بعد اقل من عام على عودته إلى البيت الأبيض، يجد ترامب نفسه أمام فرصة تاريخية لإثبات أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على صياغة حلول لا إشعال حروب. فخطة ترامب تمثل أول اختبار حقيقي لمحاولة إعادة ترميم مكانة واشنطن في الشرق الأوسط والعالم بعد سنوات من التراجع والتناقض في السياسات الأمريكية ودعمها الأعمى وغير المحدود لدولة الكيان الصهيوني وحرب الإبادة على غزة.
ويرى مستشارو ترامب أن نجاح الخطة سيمنحه إنجازًا سياسيًا كبيرًا يمكن أن يعيد تقديمه أمام الداخل الأمريكي والعالم ك'رئيسٍ أعاد السلام إلى الشرق الأوسط'، بينما فشل فيه أسلافه. ومع اقتراب لجنة نوبل من إعلان جائزتها للسلام الجمعة القادمة، يتحدث مقربون من الإدارة الأمريكية عن رغبة ترامب الواضحة في تتويج نفسه كـ'رئيسٍ صانع للسلام'، مدفوعًا بطموح شخصي وحسابات انتخابية في آن واحد. وفي محاولة لطمأنة الوسطاء الإقليميين، قدّم ترامب ضمانات جدية لكل من مصر وقطر والأمم المتحدة بعدم سماحه لنتنياهو بمعاودة الحرب بعد تسليم الأسرى، مؤكدًا أن أي خرق إسرائيلي سيفرض 'عقوبات سياسية ودبلوماسية صارمة'
نتنياهو بين حسابات السلطة ومأزق الحرب
على الجانب الآخر، يواجه نتنياهو مأزقًا سياسيًا داخليًا معقدًا. فبعد سنتين من الحرب، لم يتمكن من تحقيق نصرٍ حاسم، بينما تزداد الضغوط الشعبية والعسكرية للمطالبة بإعادة الأسرى ووقف الحرب التي مرغت وجه الدولة الصهيونية في العالم وأنهكتها داخليا.
ومع ذلك، يبقى نتنياهو أسير موازنة دقيقة بين رغبته في الظهور بمظهر المنتصر وخشيته من خسارة قاعدته اليمينية المتطرفة التي ترفض أي هدنة مع حماس. لذلك، يحرص ترامب على مراقبته عن قرب والضغط المستمر عليه، مدركًا أن أي خطوة متهورة من تل أبيب قد تطيح بالخطة قبل أن تُترجم إلى واقع سياسي وعملي على الأرض.
حماس ومخاوف 'الهدنة الملغومة'
في المقابل، تتعامل حماس مع الاتفاق بحذر محسوب. فالحركة التي صمدت أمام حرب مدمرة طوال سنتين وفاجأت العالم بحنكتها السياسية بقبولها لخطة ترامب تدرك أن نتنياهو وبمراوغته المعهودة قد يحاول، وبضغط وتشجيع من اعضاء حكومته المتطرفين، الالتفاف على بنود الإتفاقية ومعاودة حربه على القطاع لتحقيق كل أهدافه المعلنة من هذه الحرب واستمرار بقائه في الحكم. لذلك، أصرت حماس وبدعم من الوسطاء العرب على أن تتضمن الخطة ضمانات دولية مكتوبة تمنع دولة الكيان من استئناف الحرب بعد تسليم الأسرى. ورغم هذه التحفظات، ترى الحركة في الاتفاق فرصة لتثبيت حضورها السياسي وإنهاء المعاناة الإنسانية لسكان القطاع ومنع تهجيرهم، ونافذة لإعادة الإعمار ورفع الحصار تدريجيًا والوصول الى حل سياسي مقبول للقضية الفلسطينية.
الآليات الأمريكية والدولية لضمان الالتزام
يعمل فريق ترامب والوسطاء على تنفيذ مجموعة من الآليات السياسية والأمنية لضمان التزام الطرفين، من أبرزها: رقابة دولية مشتركة تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر وقطر، نشر مراقبين ميدانيين على حدود القطاع لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار، تطوير آلية مدعومة امريكيا لفرض عقوبات فورية على أي طرف يخرق الاتفاق، وفتح قنوات اتصال أمنية مباشرة بإشراف واشنطن لمنع أي تصعيد أو سوء فهم ميداني.
الدور الإقليمي… القاهرة والدوحة في صدارة المشهد
تواصل مصر وقطر لعب دور الوسيط النشط في تطبيق الاتفاق وبدعم من تركيا ودول عربية اخرى مؤثرة كالأردن والسعودية، حيث تتولى القاهرة تنسيق الترتيبات الأمنية وضمان الهدوء الميداني، فيما تشرف الدوحة على ترتيبات إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، ضمن آلية تمويل دولية يجري إعدادها برعاية أمريكية وأوروبية.
السيناريوهات المحتملة في الأسابيع المقبلة
يرى المحللون أن مستقبل الخطة سيتحدد خلال الأسابيع القليلة القادمة. السيناريو الأول هو نجاح ترامب في تثبيت الهدنة وتحويلها إلى مسار سياسي دائم، مما سيمنحه إنجازًا دوليًا يضعه في مقدمة المرشحين لجائزة نوبل ويعيد رسم مكانة الولايات المتحدة كقوة سلام مؤثرة. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تراجع نتنياهو عن التزاماته بعد استعادة الأسرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق ومواصلة حرب الإبادة على غزة وتقويض طموحات ترامب السياسية. ومعظم المحللين لا يرجحون هذا السيناريو لأنه سيدمر سمعة دولة الكيان في العالم ويعزلها ويخنقها، ويؤدي الى رضوخ حكومات الدول الغربية الى مطالب شعوبها لفرض عقوبات سياسية وعسكرية فورية على تل ابيب، وربما سيؤدي ذلك الى انقلاب الشارع الأمريكي على ترامب خاصة الشباب وإنهاء طموحه في العودة الى البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته.
وبين هذين الاحتمالين، يبقى التحدي الأكبر هو مدى التزام ترامب بتعهداته امام الوسطاء والعالم وقدرته على مواصلة الضغط على نتنياهو لكبح اندفاعه نحو التصعيد، وإقناع حماس والدول العربية والإسلامية التي دعمت خطته بأن هذه المرة مختلفة عن كل المحاولات السابقة.
وفي النهاية، قد لا تكون خطة ترامب مجرد اتفاق لوقف حرب الإبادة الصهيونية غير المسبوقة على غزة، بل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة رئيسٍ متقلبٍ مثيرٍ للجدل لأقوى دولة في العالم وأكثرها انحيازا ودعما للكيان الصهيوني على تحويل هذه الحرب إلى فرصة لصناعة السلام في المنطقة، وربما إلى جسرٍ نحو نوبلٍ طال انتظاره في البيت الأبيض.