اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام: خطوة تطبيعية جديدة في زمن الاحتلال والمجازر #عاجل
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني في خبر أثار اهتمام المراقبين وأوساط السياسة الدولية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب امس الجمعة انضمام جمهورية كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام التي تقودها الولايات المتحدة وتستهدف إقامة علاقات تطبيعية بين الدول العربية والإسلامية والدولة الصهيونية، في خطوةٍ وصفها بأنها 'إنجاز جديد للسلام في الشرق الأوسط'، لكنها في الواقع جاءت في توقيتٍ شديد الحساسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. جاء هذا الإعلان في وقت لا تزال فيه إسرائيل تحتل اكثر من 50% من قطاع غزة وتواصل قصف الأحياء السكنية وتدمير البنى التحتية رغم وقف إطلاق النار المعلن، وتواصل اعتداءاتها على جنوب لبنان رغم الهدنة القائمة.
هذه الخطوة من دولة إسلامية كبيرة في آسيا الوسطى تطرح جملة من الأسئلة السياسية والاستراتيجية حول توقيتها، ودوافعها، ودلالاتها بالنسبة للمنطقة، وخاصة القضية الفلسطينية.
كازاخستان: دولة محورية في قلب آسيا الوسطى
تُعد كازاخستان التي استقلت عام 1991 بعد انهيار الإتحاد السوفياتي أكبر دول آسيا الوسطى مساحةً وثرواتٍ، وسادس أكبر دولة في العالم من حيث الامتداد الجغرافي، وأكبر دولة 'حبيسة' في العالم (2.7 مليون كيلومتر مربع)، وتشكل بوابة طبيعية بين اوروبا وآسيا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 20 مليون نسمة، وعاصمتها 'أستانا'. تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز واليورانيوم والمعادن النادرة، ما يجعلها لاعبًا اقتصاديًا مهمًا في منطقة تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى: روسيا، الصين، والولايات المتحدة. أما على الصعيد الثقافي، فهي دولة ذات غالبية مسلمة، وتتباهى بإرثٍ إسلامي وتاريخي يمتد لقرون، ما يجعل أي خطوة تتعلق بعلاقاتها مع دولة الكيان الصهيوني محط أنظار العالمين العربي والإسلامي على السواء.
وتتميز كازاخستان بسياسة خارجية متوازنة تقوم على مبدأ 'التعددية المحسوبة'، حيث نجحت في الحفاظ على علاقات طيبة مع موسكو وبكين وواشنطن في آنٍ واحد. وصرحت الحكومة الكازاخستانية إن الإنضمام الى الإتفاقات الإبراهيمية 'يمثل إمتدادا طبيعيا لنهج السياسة الخارجية القائم على الحوار والإحترام المتبادل'. وحسب رأي المحللون السياسون، فإن أستانا بإنضمامها إلى هذه الإتفاقيات تهدف إلى توصيل رسالة مزدوجة: إلى الغرب بأنها شريك موثوق، وإلى موسكو بأنها دولة مستقلة القرار قادرة على رسم مسارها وأولوياتها الخاصة.
توقيت الانضمام: رسالة في الاتجاه الخاطئ
اختيار هذا التوقيت بالذات لانضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام يحمل دلالات سياسية معقدة. فبينما يشهد العالم تنامي موجة الإدانات الدولية ضد دولة الكيان الصهيوني بسبب الجرائم والانتهاكات في غزة، وارتفاع الأصوات المطالبة بعزلها ومحاسبتها أمام المحاكم الدولية، تأتي هذه الخطوة لتمنح تل أبيب هدية سياسية غير متوقعة وتفتح لها ابوابا اخرى أُغلقت امامها خلال عامين من ارتكابها لهذه المجازر.
فهي تمثل – وفق مراقبين – كسرًا للعزلة التي بدأت تحيط بالدولة الصهيونية منذ حربها الأخيرة على غزة ، وتعيد إحياء مشروع التطبيع الذي كاد يتجمد بعد رفض العديد من الدول العربية المضي فيه دون حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية.
وبذلك، يكون إعلان ترامب قد أعاد تسليط الضوء على ما يعتبره 'إنجازه التاريخي'، في حين يرى كثيرون أن هذه الخطوة تضر بصورة كازاخستان كدولة معتدلة ومحايدة وتضعها في مواجهة انتقادات داخلية وإسلامية محتملة.
انعكاسات الانضمام على آسيا الوسطى والعالم الإسلامي
تكتسب الخطوة الكازاخية بعدًا استراتيجيًا مهمًا داخل آسيا الوسطى، إذ إنها قد تفتح الباب أمام دول أخرى مثل أوزبكستان وقرغيزستان وتركمانستان للنظر في خطوات مشابهة، خاصة مع ازدياد النفوذ الأمريكي ومحاولاته توسيع دائرة اتفاقات أبراهام شرقًا بعد تعثرها عربيًا.
غير أن هذا الانضمام قد يثير حساسية داخل العالم الإسلامي، خاصة مع دول عربية وإسلامية كبرى مثل السعودية وقطر وماليزيا وإندونيسيا التي لا تزال تربط أي تطبيع مع دولة الكيان بتحقيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. فمن شأن الخطوة الكازاخية أن تضعف الموقف الإسلامي الموحد تجاه الدولة العبرية، وتمنح الأخيرة مبررًا للادعاء بأن التطبيع مع العالم الإسلامي بات ممكنًا دون حل القضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية بين التهميش والتطبيع
يشكّل انضمام كازاخستان ضربة إضافية للقضية الفلسطينية في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم. فكل انفتاح جديد على الدولة الصهيونية قبل إنهاء الاحتلال يزيد من تآكل الزخم السياسي الدولي للقضية، ويضعف أدوات الضغط العربية والإسلامية لتحقيق العدالة.
تل أبيب، من جهتها، ستسعى إلى استثمار هذه الخطوة لإثبات أن 'الشرق الإسلامي” – وليس فقط العربي – بدأ يتقبلها كشريك طبيعي، في محاولة لإعادة صياغة خريطة التطبيع من الخليج إلى آسيا، مستفيدة من المصالح الاقتصادية والدبلوماسية للدول التي تبحث عن موقع متوازن بين القوى الكبرى.
خلاصة المشهد
إن انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن السياق الدولي الراهن الذي تشهد فيه دولة الكيان أوسع عزلة أخلاقية وسياسية في تاريخها الحديث. فالخطوة، وإن بدت للبعض مناورة دبلوماسية اقتصادية، فإنها عمليًا تمنح شرعية مجانية للاحتلال ، وتبعث برسالة خاطئة إلى الشعوب الإسلامية والعربية بأن المصالح قد تتقدم على المبادئ.
وبينما تواصل السعودية ومعها دول عربية أخرى التمسك بموقفها المشروط بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، يبدو أن كازاخستان اختارت طريقًا مغايرًا، قد يُكلفها الكثير من رصيدها الأخلاقي والسياسي في العالم الإسلامي.
إن الموقف الكازاخي، بدل أن يعزز فرص السلام، يهدد بزيادة الشرخ داخل العالم الإسلامي، ويؤكد أن الرهان الحقيقي على العدالة لا يزال في مواقف الشعوب الحرة التي ترفض التطبيع مع الاحتلال، وتؤمن أن السلام الحقيقي يبدأ من إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.












































