اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
زهران ممداني الاختبار الحقيقي للديمقراطية الامريكية !! #عاجل
كتب أزهر طوالبه
يبدو واضحًا أن الحملة التي تُشنّ على زهران ممداني ليست مجرّد اختلافٍ سياسيّ عابر، بل هجوم منظّم يستهدف شخصًا يجرؤ على كسر الخطاب الأميركي التقليدي حول إسرائيل وفلسطين. فكلّ من يخرج عن الاصطفاف المُعتاد في السياسة الأميركية، ويطرح رؤيةً أكثر عدلاً وإنسانيّة، سرعان ما يُرمى بالتهم الجاهزة: 'معاداة السامية”، 'التطرّف”، 'التهديد للمجتمع اليهوديّ”. هذه التهم ليست سوى أدواتٍ دفاعيّة يُعاد استخدامها كلّ مرة لشيطنة أيّ صوتٍ يعيد التذكير بجرائم الاحتلال، أو يطالب بالمساواة الحقيقية بين البشر بغضّ النظر عن العِرق أو الدّين.
جوهر الهجوم على ممداني ينبع من موقفه الواضح من العدوان الإسرائيليّ على غزة، حين سمّى الأشياء بأسمائها ووصف ما يحدث هناك بأنه إبادة جماعيّة. لم يحتمل خصومه هذا الوضوح، لأنهم اعتادوا على سياسيين يصيغون مواقفهم بعباراتٍ رخوة تحاول إرضاء الجميع، وتتهرّب من تسمية الجريمة جريمة. لكن ممداني، وهو ابن لمهاجرين وناشطٍ اجتماعيّ يعيش واقع المجتمعات المهمّشة، يعرف معنى الظلم، ويعرف أن الصمت أمامه خيانةٌ أخلاقية. لذلك، فإن من الطبيعي أن تهاجمه المنظومة التي اعتادت حماية إسرائيل من أي مساءلة أخلاقية أو قانونية.
من بين أبرز الانتقادات التي وُجّهت إليه، اتهامه بعدم الاعتراف بإسرائيل كـ'دولة يهودية”. غير أن هذا الموقف بالذات يُظهر عمق رؤيته، لا تطرّفه كما يُدّعى. فممداني لا يرفض وجود إسرائيل، بل يرفض أن تُبنى دولة على أساس دينيّ يُقصي غير اليهود من المساواة الكاملة في الحقوق. هو ببساطة يدعو إلى دولةٍ ديمقراطيةٍ واحدة يعيش فيها الجميع بحقوقٍ متساوية، تمامًا كما نرفض جميعًا فكرة الدولة الدينية في أيّ مكانٍ آخر من العالم. فكيف يُقبل ما يُرفض في غيره؟ إنّ رفضه لهذا المفهوم ليس كراهيةً لليهود، بل دفاعًا عن العدالة ورفضًا للتفرقة العنصرية، وهذا ما يخشاه اللوبي الصهيونيّ أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
ثمّ إنّ الحملة التي تتّهمه بالتساهل تجاه 'معاداة السامية” هي في حقيقتها سعيٌ لتجريم كلّ نقدٍ موجهٍ لإسرائيل. فحين يقول ممداني إنه يرفض تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” (IHRA) لمعاداة السامية، فلأنه تعريفٌ مطّاط يستخدمه البعض لإسكات النقاش السياسي، لا لحماية اليهود من الكراهية. هو يفرّق بوضوح بين معاداة اليهود كدينٍ أو قومية — وهي أمر مرفوض ومُدان تمامًا — وبين انتقاد دولة تمارس الفصل العنصريّ والقتل الجماعيّ. لكنّ خصومه لا يريدون هذا التمييز، لأنهم يعلمون أنّ سقوطه يُسقط آخر الأقنعة التي تختبئ خلفها إسرائيل في الغرب.
أمّا موقفه من شعار 'Globalize the Intifada”، فقد حاول الإعلام تشويهه أيضًا. فالرجل لم يدعُ إلى العنف كما ادّعوا، بل تحدّث عن انتفاضةٍ بمعناها الشعبيّ، بوصفها مقاومةً مدنيةً ضدّ الظلم أينما كان. كلمة 'انتفاضة” في لغته السياسيّة ليست دعوةً للقتال، بل ترجمةٌ لرفض الخضوع. لكنّ الإعلام المؤيّد لإسرائيل يقتطع العبارة من سياقها، ليزرع الخوف في قلوب الناخبين، وليُظهِره كأنه خطرٌ أمنيّ على المدينة.
في العمق، ما يخيف خصوم ممداني ليس تصريحًا ولا شعارًا، بل تحوّلٌ ثقافيّ وسياسيّ بدأ يترسّخ داخل الوعي الأميركيّ نفسه، حيث لم يعد كثيرٌ من الشباب مقتنعين بالرواية الإسرائيلية القديمة. ممداني يمثّل هذا التحوّل بوجهٍ واضح وصوتٍ صادق، ولذلك يُهاجَم بهذه الشراسة. فهجومهم عليه ليس سوى محاولةٍ يائسةٍ لإيقاف موجة الوعي المتنامية، التي بدأت تُحمّل إسرائيل المسؤولية الأخلاقية عمّا ترتكبه من جرائم، وتفضح ازدواجية الغرب في معاييره.
إن الدفاع عن ممداني، في نهاية المطاف، ليس دفاعًا عن شخصٍ بعينه، بل عن حقّ الإنسان في قول الحقيقة من دون أن يُعاقَب على شجاعته. هو اليوم يقف في وجه آلةٍ إعلاميّة ضخمة، تحاول إخضاعه وتشويه صورته، لكنه يواجهها بموقفٍ أخلاقيّ لا يتزعزع، مدفوعًا بإيمانه بأنّ الحرية لا تتجزّأ، وأنّ الكرامة الإنسانيّة لا تُقاس بالجغرافيا أو بالدين. لهذا السبب بالذات، يقف كثيرون إلى جانبه، لأنّهم يرون فيه رمزًا لمرحلةٍ جديدة في الوعي السياسي الأميركي، مرحلةٍ تقول: إنّ العدالة لفلسطين ليست نقيضًا للسلام، بل شرطه الأوّل.












































