اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٤ تموز ٢٠٢٥
ثقافة الشبشب المقلوب… حين يتحوّل التديّن إلى طقوس شكلية
كتب وسام السعيد- في كثير من المجتمعات، يتربّى الإنسان منذ طفولته على مجموعة من 'المحرّمات' التي لا أصل لها في الدين، ولا أساس لها في العقل، لكنها تُقدَّم له على أنها قمّة الورع والتقوى، بينما يُهمَل جوهر الدين وروحه.
فننشئ أجيالًا تعرف من التديّن فقط أن 'قلب الشبشب حرام'، ولا تعرف شيئًا عن الصدق، أو أداء الأمانة، أو ردّ الحقوق، أو إتقان العمل.
ثقافة 'الشبشب المقلوب' هي اسم رمزي لحالة عامة…
حالة تركيز على القشور وترك اللُب، والاهتمام بالمظاهر بدلًا من الجوهر.
ترى أحدهم يتوتر حين يرى شبشبًا مقلوبًا، وربما يقول لك بجدّية مفرطة 'ارجع الشبشب، حرام!'... لكنه لا يشعر بنفس التوتر عندما يَظلِم أحدًا، أو يأكل حقوق الآخرين، أو يكذب، أو يغش، أو يُلقي القمامة في الشارع، أو يتأخر في دفع مستحقاته، أو يتعدّى على النظام العام.
لماذا؟
لأننا ببساطة نُعاني من خلل في أولويات التديّن والمعايير الأخلاقية.
ثقافة 'الخوف من الشبشب' بدأت أحيانًا من نيّة طيبة، كنوع من الاحترام أو الخوف من التهاون في مظاهر التقدير، لكنها مع الزمن تحوّلت إلى معتقد راسخ يطغى على تعاليم الدين الحقيقية.
فأصبح الطفل يُعنَّف إن قلب الشبشب، لكنه لا يُعاتَب إن كذب أو سرق أو اغتاب أو أهان غيره.
وهكذا تربّت أجيال تعرف جيدًا كيف ترتّب الشباشب عند باب المسجد، لكنها لا تفكّر مرتين قبل أن تظلم أو تغتاب، أو تفرّط في عملها، أو تهمل واجباتها، أو تأكل حقوق الناس باسم 'المصلحة'.
التديّن الحقيقي ليس شكلًا، بل سلوكًا، ومواقف، وضميرًا حيًّا.
قال النبي ﷺ: '
الدين المعاملة'
وقال أيضًا:
'أتدرون من المفلس؟... المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا...' أي أن الدين لا يُختصر في المظهر، بل في كيفيّة معاملتنا للناس، وفي مدى أداء حقوقهم، وأمانتنا في السرّ والعلن.
لا بأس إن أحببت ترتيب حذائك، ولا بأس أن تُعلّم أبناءك احترام الممتلكات، ولكن لا تجعل الشبشب عنوانك الأخلاقي والديني الوحيد.
علّمهم أولًا أن الله لا ينظر إلى الصور ولا الأشكال، بل إلى القلوب والأعمال. فمن المخجل أن نرى شخصًا يثور من أجل 'شبشب مقلوب'، ولا ترفّ له عين إذا رأى ظلمًا، أو شهد زورًا، أو خان أمانة، أو سرق تعب الناس.
الدين ليس ترتيب أحذية…
الدين ترتيب أخلاق.
وياريت نخاف من ظلم الناس قد ما بنخاف من 'شبشب مقلوب عند الباب' الدين ليس قلب الشبشب… الدين هو قلب الإنسان.