اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
عمّان تختَنق.. لماذا لا تُستبدَل المُخالَفات بالتّخطيط ؟!! #عاجل
كتب أزهر عبدالله طوالبه - لم تعد أزمة المرور في عمّان مجرّد تفصيلٍ يوميّ يمرّ به الناس في طريقهم إلى أعمالهم أو بيوتهم، بل أصبحت مرآةً صادقة تُظهِر حجم التعقيد في إدارة المدينة، ومدى اتّساع الفجوة بين الواقع المعيشيّ والخطاب الرسميّ. فحين تزداد أعداد السيارات عامًا بعد عام، ولا ترافقها خطط توسعة مدروسة أو رؤية نقلٍ جماعيّ فاعلة، فإنّ النتيجة الطبيعية هي ما نراه اليوم: مدينة تختنق كُلّ صباح وتتنفّس بصعوبةٍ كل مساء.
المُفارقة أنّ الحلول المطروحة لا تتّجه إلى معالجة أصل المُشكلة، بل إلى إدارة نتائجها بالعقوبة. حيثُ تُستبدل المشاريع التنظيميّة بالكاميرات الذكيّة، ويُعوَّض غياب التّخطيط بزيادة المخالفات. وكأنّ المطلوب من المواطن أن يتحمّل عبء عجز السياسات، لا أن يُعامَل كشريكٍ في الحلّ. إنّ المدينة التي تُراقب حركة الناس أكثر مما تُنظّمها، تُثبِت أنّها فقدت توازنها بين التّنظيم والردع، وبين الرؤية والتطبيق.
لقد تحوّل السير في عمّان إلى اختبارٍ يوميّ للأعصاب. يخرج الناس قبل ساعاتٍ من مواعيدهم، ويحسبون الزّمن لا بالكيلومترات بل بالإشارات الضوئية. ومع ذلك، لا يجدونَ سوى التنظير عن 'الذكاء المروريّ' و'التحوّل الرقميّ'، بينما الشوارع تضيق، والأرصفة تُبتلع، والدّواوير تُلغى أو تُنقل دون دراسة واضحة. إنّنا نعيش مرحلةٍ من الارتجال الإداريّ، تُقدَّم فيها الحلول الموقّتة كإنجازاتٍ دائمة، ويُسَوَّق التجميل الإسفلتيّ بوصفه تخطيطًا حضريًا.
وأمام هذا الواقع، تتراجع مفاهيم أساسية مثل جودة الحياة، وهي ليست شعارًا ترفيهيًّا بل مقياسٌ حقيقيّ لرُقيّ المدن. كيف يمكن الحديث عن جودة حياةٍ في ظلّ مدينةٍ تتسبّب أزماتها المرورية في هدر الوقت والطاقة والإنتاجية؟! وكيف يمكن الحديث عن جاذبية الاستثمار في بيئةٍ يعاني فيها المستثمِر والموظف والمواطن من صعوبة الوصول إلى مواقعهم؟! فالمستثمر الذي يعلق في دوّار المدينة ساعةً كاملة، لن يقتنع بسهولة بأنّ البنية التحتية قادرة على احتضان مشروعٍ تنمويّ متقدّم.
إنّ الحديث عن التنمية يجب ألا يبقى في حدود الخطط الورقيّة، بل أن ينعكس في تفاصيل الحياة اليومية. فالشوارع ليست مجرّد ممرّاتٍ للسيارات، بل مؤشّرٌ على قدرة الدولة على إدارة النموّ والتّغيير. فحين تكون شبكة الطرق منظّمة، ووسائل النقل العام فعّالة ؛ تُصبح المدينة أكثر اتّساعًا وإنسانيّةً حتى وإن كانت جغرافيًا صغيرة.
عمّان اليوم بحاجة إلى أن تُفكّر بطريقة مختلفة. لا نحتاج إلى مزيدٍ من الكاميرات، بل إلى رؤية نقلٍ حضريّ متكاملة تقوم على التوسعة المدروسة، وتشجيع النقل الجماعي، وتنظيم أوقات الذروة، وتفعيل المسارات البديلة. نحتاج إلى إدارةٍ تُدرك أنّ التنمية ليست فرض غرامات، بل بناء ثقة بين المواطن ومؤسساته.
فحين يشعر الناس بأنّ الدولة تُفكّر في راحتهم قبل جيوبهم، يتحوّل الالتزام بالقانون إلى سلوكٍ طوعيّ، لا إلى خوفٍ من كاميرا.
وحين تتنفّس عمّان من جديد، يمكننا أن نتحدّث فعلًا عن جودة حياةٍ وجاذبية استثمارٍ وتنميةٍ حقيقيّة، لا عن شعارات تُقال في المؤتمرات وتضيع في الزحام.












































