اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان حلقة نقاشية حول: تعزيز استخدام بدائل التوقيف قبل المحاكمة
عمان- ناقش مختصون قانونيون وممثلون عن جهات إنفاذ القانون بدائل التوقيف قبل المحاكمة، مؤكدين على أهمية تفعيل النصوص القانونية ذات الصلة، وتعزيز دور النيابة العامة والقضاء في اعتماد هذه البدائل كأدوات لتحقيق العدالة، وضمان حقوق المتهمين، وتقليل الأعباء على النظام القضائي.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظمتها تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بالتعاون مع المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب-ديجنيتي، بمشاركة عدد من القضاة، والمحامين، وممثلي الأجهزة الأمنية والقضائية، وخبراء في القانون والعدالة الجزائية.
وتناولت الجلسة الأبعاد المختلفة للتوقيف قبل المحاكمة، بما في ذلك آثاره الاقتصادية والاجتماعية، والتكاليف الإدارية المرتبطة بالنزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والكسب الفائت الناتج عن الاكتظاظ في هذه المراكز.
كما تم التطرق إلى الأثر الإنساني للتوقيف المطول قبل المحاكمة، وما يسببه من خسارة للوظائف، ووصمة مجتمعية، وتفكك أسري، وانقطاع عن التعليم، مؤكدين أن هذه الانعكاسات لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد لتطال المجتمع بأسره.
وشدد المشاركون على ضرورة مراجعة السياسات والممارسات المرتبطة بالتوقيف قبل المحاكمة، واعتماد بدائل قانونية فعالة، توازن بين متطلبات تحقيق العدالة، وضمان حقوق الأفراد وكرامتهم، وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسسات العدالة.
من جهته، شدد عميد كلية الحقوق في جامعة البترا، الدكتور علي الدباس، على أهمية إيجاد بدائل قانونية فعالة للتوقيف الإداري قبل المحاكمة، خاصة في الحالات التي لا يُشكّل فيها الأشخاص خطرًا حقيقيًا على المجتمع، معتبرًا أن هذا النوع من التوقيف قد يُستخدم أحيانًا بشكل غير مبرر. ودعا إلى ضرورة أن يكون قرار التوقيف الإداري مسببًا ومستندًا إلى مبررات واضحة ومحددة، مؤكدًا أن غياب التسبيب القانوني يفتح المجال لإساءة استخدام هذا الإجراء، ما يُشكل تهديدًا للعدالة والحقوق الأساسية.
واعتبر الدباس أن التوقيف قبل المحاكمة يمثل قضية قانونية جوهرية تستدعي مراجعة دقيقة. ودعا إلى تقليل الاعتماد على الاحتجاز التقليدي، وتعزيز العدالة الجنائية بأدوات بديلة أكثر إنصافًا.
وأوضح أن قانون العقوبات الأردني يتضمن بالفعل نصوصًا تنص على العقوبات البديلة، متسائلًا عن سبب غياب التوافق بينه وبين قانون أصول المحاكمات الجزائية، خصوصًا في ما يتعلق باستخدام هذه البدائل قبل مرحلة الحكم.
وقال: 'أي توجه نحو العقوبات البديلة يُعد خطوة إيجابية لا بد من التوسع فيها، لأن الهدف من العقوبة في الأصل هو الإصلاح، وليس فقط التنفيذ. فالإجراءات العقابية التقليدية قد تخلق ظروفًا سلبية تُفاقم من معاناة الموقوف أو المحكوم بدلاً من تأهيله وإصلاحه'.
وأشار إلى أن مبدأ 'المتهم بريء حتى تثبت إدانته' يُعد من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني، باعتباره الضامن الأول لحماية حقوق الأفراد وصون العدالة في الإجراءات القضائية.وأوضح أن هذا المبدأ يفترض أن الشخص المتهم بجريمة يتمتع ببراءة قانونية كاملة، إلى أن تُقدم أدلة كافية تثبت إدانته أمام المحكمة المختصة، وفقًا لإجراءات عادلة ومتكافئة. وأضاف أن هذا المبدأ لا يُعبّر فقط عن حماية فردية، بل يُجسد التزام النظام القانوني بتحقيق التوازن بين حماية المجتمع، وضمان عدم الإضرار بحقوق الأفراد دون وجود أدلة قاطعة ومُبررة تُثبت الذنب بشكل قانوني.
وأكد ممثل نقابة المحامين، المحامي وليد العدوان، على أهمية تطوير نظام العدالة الجزائية في الأردن، بما يضمن حماية الحريات العامة، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، إلى جانب مكافحة مختلف أشكال الجريمة.
وأشار إلى أن بعض تطبيقات القانون تُعيق وصول الأفراد إلى العدالة، داعيًا إلى مراجعة الممارسات التي تتعارض مع المبادئ الدستورية الأساسية، وعلى رأسها قرينة البراءة.
وقال العدوان: 'يجب أن يحصل الأفراد على الحماية القانونية الكاملة، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، مع ذلك هناك من يُحتجز لعام أو عامين أو أكثر، ليخرج لاحقًا بقرار براءة، دون وجود أي نص قانوني يضمن له التعويض عن فترة احتجازه غير المبرر'.
وأوضح أن العقوبات والبدائل غير السالبة للحرية تُسهم بشكل فعّال في تعزيز الوصول إلى العدالة، وتُحقق التوازن بين الحفاظ على الأمن وضمان المحاكمة العادلة.
وختم مداخلته بالتشديد على أهمية حضور المحامي خلال التحقيق الأولي مع الموقوفين في المراكز الأمنية، معتبرًا ذلك ضمانة جوهرية لحقوق المتهمين، وركيزة أساسية لأي منظومة عدالة تحترم سيادة القانون.
وأكدت المديرة التنفيذية لتمكين لندا كلش في مداخلتها أن 'موضوع التوقيف قبل المحاكمة يُعد من أكثر القضايا حساسية وتأثيرًا في منظومة العدالة الجزائية، نظرًا لما يترتب عليه من تبعات قانونية، وإنسانية، واقتصادية على الأفراد والمجتمع والدولة ككل
وشددت على أن 'التوقيف قبل المحاكمة'، بحسب المبادئ الدستورية والمعايير الدولية، يجب أن يُستخدم كإجراء استثنائي لا يُلجأ إليه إلا في أضيق الحدود، إلا أن الممارسة العملية تشير إلى تحوله في بعض الأحيان إلى عقوبة مبكرة، تُفرض على المتهم قبل صدور حكم قضائي نهائي بحقه'.
وأضافت: 'لقد شهدنا العديد من الحالات التي قضى فيها أشخاص شهورًا أو حتى سنوات في التوقيف، لينالوا لاحقًا البراءة، ما يطرح تساؤلات جدية حول احترام قرينة البراءة كمبدأ أساسي في العدالة الجزائية'.
وأشارت إلى أن 'الاستمرار في استخدام التوقيف كأداة أولى، وليس كخيار أخير، يُعد خللًا جوهريًا في العدالة لا يمس الأفراد وحدهم، بل يفرض كلفة اقتصادية واجتماعية على الدولة، ويُسهم في تعميق فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات العدالة'.
ودعت إلى 'تعزيز استخدام بدائل التوقيف قبل المحاكمة، باعتبارها ضرورة وطنية وليست ترفًا تشريعيًا، لما لها من دور في صون الحقوق، وتخفيف الاكتظاظ داخل مراكز التوقيف، وتقليل الأعباء على النظام القضائي، مع ضمان عدم إفلات المتهمين من المساءلة القانونية'.
الممثل المقيم للمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب محمد شما، شدد عن أهمية فتح الحوارات بين المجتمع المدني وجهات إنفاذ القانون حول تداعيات اللجوء إلى قرارات التوقيف الإداري قبل المحاكمة وحدودها، والتأثيرات السلبية على المجتمع منها، إلى جانب أهمية الشراكة المؤسسية وتعزيز آليات تطبيق بدائل التوقيف قبل المحاكمة ضمن بيئة قانونية عادلة ومتماسكة.
وقال شما إنّ ما نشهده اليوم هو ترجمة حقيقية لشراكة قائمة على الثقة والرؤية المشتركة نحو عدالة أكثر إنسانية، مشيرا إلى أن الحلقة النقاشية تهدف إلى تفعيل بدائل التوقيف وتوسيع آليات العدالة التصالحية، بما يضمن الحماية الكاملة للكرامة الإنسانية ويعزز التماسك المجتمعي.
من جهته، أكد مدير مديرية الشفافية وحقوق الإنسان في مديرية الأمن العام، العقيد ظاهر سلامة، أن المديرية تعمل ضمن مراكز الإصلاح والتأهيل ومديريات الشرطة، وتحرص على ترسيخ مبادئ الشفافية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، من خلال التواصل المستمر مع المواطنين، وضمان خضوع الممارسات الأمنية للرقابة والمساءلة.
وأوضح أن مديرية الشفافية وحقوق الإنسان ترتبط مباشرة بمدير الأمن العام، وتضم مكتبًا مختصًا باستقبال شكاوى المواطنين حول أي انتهاك أو إساءة، ومتابعتها لضمان محاسبة من يثبت بحقه ارتكاب جُرم إساءة استعمال السلطة أو التعسف في ممارسة الحق، مؤكدًا التزام المديرية بتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان في مراكز الإصلاح وأماكن الاحتجاز وكافة وحدات الأمن العام.
وشدد العقيد سلامة على أهمية التوسع في تطبيق بدائل التوقيف قبل المحاكمة، مشيرًا إلى أن هذه البدائل لا تقتصر على الجوانب الحقوقية فحسب، بل تسهم أيضًا في تقليل العبء المالي والتشغيلي على الدولة، حيث تشمل تكاليف الاحتجاز توفير خدمات الرعاية الصحية، والغذاء، والإيواء، وغيرها من المتطلبات اليومية داخل السجون.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور يوسف منصور أن التكلفة الاقتصادية للنزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل تُشكّل تحديًا كبيرًا أمام الحكومات، لما تُسبّبه من أعباء مالية متزايدة على الموازنة العامة، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي يواجهها الأردن.
وأشار إلى أن التكلفة المباشرة للتوقيف الإداري تشمل نفقات إيواء المحتجزين في مراكز التوقيف والإصلاح، إذ تبلغ كلفة النزيل الواحد نحو 750 دينارًا شهريًا، أي ما يقارب 9000 دينار سنويًا للنزيل الواحد، وهو ما يُمثّل عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة للدولة، خاصة في ظل أعداد الموقوفين المرتفعة.
وأضاف أن هناك تكاليف غير مباشرة تُفاقم الأثر الاقتصادي لهذا التوقيف، أبرزها فقدان الإنتاجية، نظرًا لأن معظم الموقوفين إداريًا هم من فئة الشباب القادرين على العمل، وبالتالي فإن توقيفهم يحرم الاقتصاد من مساهماتهم المحتملة في سوق العمل والإنتاج.
ولفت الدكتور منصور إلى أن الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح لا يؤدي فقط إلى ارتفاع كلف التشغيل، بل يؤثر أيضًا سلبًا على جودة الخدمات المقدّمة، ويُضعف فرص التأهيل والإصلاح، ما يزيد من احتمالية العودة إلى الجريمة، ويُكرّس حلقة مفرغة من التكاليف المجتمعية والاقتصادية على المدى الطويل.
من جهتها، أكدت ممثلة وزارة العدل – مديرية حقوق الإنسان، الدكتورة حنان الخلايلة، أن نظام المراقبة الإلكترونية يمثل توجهًا حديثًا نحو العدالة العقابية الإنسانية، ويهدف إلى الحد من اللجوء إلى السجون، مع الحفاظ على التوازن بين الردع والإصلاح، والحد من الآثار الاجتماعية السلبية على الأفراد والأسر.
وأشارت إلى أن هذا النظام يوفر فرصة حقيقية للمحكوم عليه بالإصلاح والاندماج مجددًا في المجتمع، ويجب أن يُنظر إليه كجزء من منظومة متكاملة تحقق العدالة ولا تقتصر على العقوبة. وأكدت الخلايلة أن السجن يجب أن يكون الخيار الأخير لا الأول، في ضوء تطور أدوات العدالة الحديثة.
وأضافت أن هناك بدائل للعقوبات السالبة للحرية، مثل البرامج التأهيلية، والإقامة الجبرية في المنزل أو في منطقة جغرافية محددة، والمراقبة الإلكترونية. حيث أجاز المشروع ربط العقوبات البديلة بتدابير إضافية، منها منع السفر، وإلزام المحكوم عليه بتقديم تعهد مالي لعدم التعرض أو التواصل مع أشخاص أو جهات معينة.
من جهتها، أكدت ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية – مديرية الأحداث والحماية، سوزان الخوالدة، أن الوزارة تعمل على تنفيذ برامج متخصصة تستهدف الأحداث الجانحين، بهدف دمجهم مع أسرهم وتوفير بيئة سليمة تُقدّم خدمات متكاملة تُسهم في إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع بشكل إيجابي.
وأوضحت أن الوزارة تولي اهتمامًا خاصًا بحماية الأحداث الواقعين في نزاع مع القانون من التأثيرات السلبية والمشكلات الاجتماعية التي أدّت إلى ارتكابهم للمخالفات، ذلك من خلال منظومة حماية مجتمعية وتدخلات تأهيلية تضمن الحفاظ على حقوقهم وتمنحهم فرصة جديدة لبناء مستقبل أفضل.
وأوصى مشاركون بضرورة مراجعة السياسات والممارسات المتعلقة بالتوقيف قبل المحاكمة، واعتماد بدائل قانونية فعالة، توازن بين متطلبات تحقيق العدالة، وضمان حقوق الأفراد وكرامتهم، وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسسات العدالة.
وأكدت 'تمكين' في ختام الجلسة على ضرورة فتح نقاش وطني موسّع حول بدائل التوقيف قبل المحاكمة، وتحديث التشريعات والإجراءات، بما يعزز من كفاءة منظومة العدالة ويحفظ كرامة الإنسان.