وزير التعليم العالي يهاجم الجامعات .. فمن يحاسب الوزير؟

رم - أ.د. علي النحلة حياصات

في ضوء التصريحات الأخيرة لمعالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، والتي انتقد فيها أداء الجامعات الأردنية في مجال البحث العلمي، يبرز تساؤل مشروع حول مضمون تلك التصريحات، وتوقيتها، وأسلوب عرضها، ومدى انسجامها مع الدور المتوقع من رأس هرم السياسات التعليمية في البلاد.

أي تقييم علمي لأداء الجامعات، لا سيما في مجال البحث العلمي، يجب أن يستند إلى مؤشرات عالمية موثوقة مثل تصنيفات شنغهاي (ARWU) أو QS أو Times Higher Education، وليس إلى انطباعات أو اجتهادات شخصية او مواقع غير موثوقة. غياب الإشارة إلى هذه المؤشرات، أو سوء استخدامها، لا ينعكس فقط على دقة الطرح، بل على مدى جدية المؤسسات الرسمية في التعاطي مع قضايا التعليم بعيون تحليلية لا انفعالية.

إذا افترضنا صحة ما أورده الوزير عن تراجع مستوى البحث العلمي وتدهور الأداء المؤسسي للجامعات، فإن هذا يضعه هو شخصياً أمام مسؤولية سياسية وأخلاقية. إذ كيف يكون ممثلاً لهذا القطاع الحيوي في حكومة تدّعي الولاية العامة على المؤسسات الاكاديمية، دون أن يطرح بنفسه حلولاً جوهرية أو يقدم استقالته (على الاقل) احتجاجاً أو اعتراضاً على ما آل إليه الوضع؟ ألا تتطلب النزاهة المؤسسية ربط الأقوال بالأفعال، والمواقف بالمسؤوليات؟

من المؤسف أن تُطرح قضايا التعليم العالي، بتعقيداتها وتشابكاتها، عبر وسائل الإعلام بطريقة قد تُلحق ضرراً مباشراً بسمعة الجامعات الأردنية وخريجيها، خاصة في أسواق العمل الخارجية. فالمعالجة الحقيقية يجب أن تتم عبر قرارات إدارية وأكاديمة داخلية، تحفظ كرامة المؤسسات وتحمي مكانتها، لا أن تُطرح بعناوين صاخبة أمام الرأي العام دون حوار مؤسسي مسبق.

لا يمكن الحديث عن تراجع الجامعات دون التوقف عند الدور الذي لعبته قرارات مجلس التعليم العالي المتتالية، خصوصاً فيما يتعلق بتعيين رؤساء الجامعات ومن بعدهم النواب والعمداء وكل القيادات الأكاديمية. إن اختيارات غير مبنية على الكفاءة والاستحقاق، بل على توازنات مجتمعية ومناطقية، تؤسس لبيئة أكاديمية راكدة، لا تنتج معرفة ولا ترتقي بالجامعات.

كما وتُثار تساؤلات حقيقية حول بعض التعيينات الأكاديمية السابقة التي استندت إلى سجلات بحثية قائمة على التعاون مع مؤسسات إسرائيلية، مثل جامعة تل أبيب ومعهد بن غوريون. فهل تم التدقيق في هذه الخلفيات عند تعيين أصحابها في مناصب حساسة؟ وهل تم التأكد ان الاكاديمي الذي تعاون مع هذه المؤسسات قد ساهم بشكل علمي ومعرفي في البحث , اما كان مجرد كومبرس فقط؟ وإن كانت هذه المسألة تقع ضمن 'الخطوط الحمراء' سياسياً أو إخلاقيا، أفلا يُعد هذا ازدواجاً في المعايير يتناقض مع الخطاب الذي يدّعي الحرص على جودة التعليم والبحث العلمي؟

لا يمكن فصل الحالة الأكاديمية الراهنة عن السياق الثقافي والسياسي الأوسع الذي يُقيّد استقلالية الجامعات. إذ تتحكم 'ثقافة الدولة' التي تميل إلى المحاصصة الاجتماعية في العديد من القرارات، مما يمنع تعيين الأكفأ ويُكرّس الولاءات على حساب الكفاءات.

من المشروع أيضاً التساؤل: كيف تم تعيين معالي الوزير الحالي من جديد في وزارة كانت قد شهدت، في فترته الأولى، فاجعة كبرى متمثلة في حادثة البحر الميت؟ ألم تكن تلك الحادثة كافية لإعادة النظر في أهلية القيادة التربوية؟ وهل تم تجاوز نتائجها دون مراجعة أو مساءلة حقيقية؟

إن ما طرحه معالي الوزير في تصريحه الأخير، وإن احتوى بعض النقاط الجديرة بالتأمل، إلا أن أسلوب الطرح، والسياق السياسي والاكاديمي، وتوقيت التصريح، كلها تُشير إلى غياب خطاب مؤسسي رصين قادر على معالجة المشكلات البنيوية للجامعات الأردنية بطرق علمية لا انفعالية. إن إصلاح التعليم العالي في الأردن لا يبدأ من النقد الإعلامي، بل من مراجعة شاملة لسياسات التعيين، واستقلالية الجامعات، واستثمار حقيقي في البحث العلمي بعيداً عن الحسابات الضيقة والتوازنات التقليدية.