اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي النحلة حياصات
مع الإعلان عن حل المجالس البلدية في الأردن اليوم، يعود إلى الواجهة الجدل حول طبيعة القانون الجديد المنتظر للمجالس المحلية، والذي (يُشاع) أنه قد يتضمن تعديلًا جوهريًا في آلية تشكيل هذه المجالس، تحديدًا في موقع رئيس البلدية. وبينما قد يرى البعض أن الدعوة لتعيين رئيس البلدية بدلاً من انتخابه تشكّل انقلابًا على المبادئ الديمقراطية، إلا أن الواقع العملي يدفعنا لطرح هذا الخيار كحل مؤقت، وربما كضرورة إصلاحية تُفرضها بنية المجتمع لا الرغبة في التحول نحو الحكم الفردي.
منذ عقود، جُرّبت الانتخابات المحلية مرارًا، لكنها في معظمها لم تنتج مجالس على قدر التحديات التنموية ولا على مستوى الطموح الشعبي. ويكمن السبب، ليس فقط في ضعف بعض الكفاءات المرشحة، بل في طبيعة المجتمع ذاته، الذي ما زال في جزء كبير منه يغلّب الروابط الضيقة ( العشائرية، والمصلحية، الجهوية وحتى المالية بالطبع) على معايير الكفاءة والمصلحة العامة.
خذ مثلًا الفرق بين مجلس النواب ومجلس الأعيان: الأول منتخب والثاني معين، ورغم الانتقادات التي تطال كليهما، إلا أن الأداء المؤسساتي والنقاشات التشريعية الأكثر اتزانًا وهدوءًا تميل غالبًا لصالح المجلس المعين، ما يطرح تساؤلاً مشروعًا: هل كل انتخاب ديمقراطي يعني بالضرورة اختيارًا سليمًا؟
الحال في المجالس المحلية أكثر إيلامًا. فهي غالبًا ما تتحول إلى ساحات لتصفية الحسابات المحلية، أو لتحقيق مصالح ضيقة ، على حساب خدمة المجتمع. هذا التنازع بين الخاص والعام لا ينبع من خلل في القانون فقط، بل من بنية مجتمعية لم تصل بعد إلى مستوى الممارسة الديمقراطية الواعية والنزيهة.
وعندما يكون هدف المرشح الرئيسي هو العودة إلى مقعده بأي ثمن، فإن الخضوع لمطالب ناخبيه (حتى لو كانت غير منصفة أو تفتقر للعدالة) يصبح ضرورة انتخابية، لا خيارًا أخلاقيًا. وهنا تكمن الطامة الكبرى.
لا يعني كل ذلك أن التعيين هو وصفة سحرية تخلو من العيوب. بل على العكس، كثيرًا ما رأينا حالات فشل مدوية في تعيينات وزارية وإدارية لم تكن موفقة، بل أنتجت ضررًا فادحًا يفوق أحيانًا ضرر المجالس المنتخبة. لكن الفرق الجوهري أن التعيين، حين يكون مسؤولًا، يتيح محاسبة مباشرة وواضحة، وإمكانية استبدال الشخص الغير كفؤء دون المرور بمسار انتخابي طويل ومعقد.
وفي مرحلة انتقالية كهذه، قد يكون التعيين بمثابة 'قوس تقويم' مؤقت، يضمن وجود إدارات محلية أكثر انضباطًا، وأكثر قدرة على تنفيذ الخطط التنموية بعيدًا عن الضغوط الشعبوية أو المجاملات الاجتماعية. وهذا لا يعني رفض الديمقراطية، بل يعني حماية مشروعها من الانهيار تحت وطأة سوء الاستخدام.
علينا أن نتحلى بالشجاعة للاعتراف: لم نصل بعد إلى مستوى من الوعي السياسي والمجتمعي يؤهلنا لممارسة ديمقراطية رشيدة في كل المواقع. وهذا لا يعني الاستسلام، بل التفكير الواقعي في حلول تُبنى على فهم عميق لطبيعة مجتمعنا، لا على نسخ تجارب خارجية لا تناسبنا.
ربما يكون التعيين في المرحلة الحالية هو الأفضل، لا لأنه أكثر عدلًا، بل لأنه أقل ضررًا في ظل غياب ثقافة انتخابية حقيقية، ولحين نضوج الحالة الديمقراطية الأردنية بالشكل الذي يجعل من الانتخاب أداة لبناء الدولة، لا وسيلة لإرضاء المصالح الضيقة.