اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ أب ٢٠٢٥
المفاوضات كسلاح للإبادة والتهجير! #عاجل
كتب كمال ميرزا -
هي حرب 'إبادة وتهجير'.. وما تزال حرب 'إبادة وتهجير'.. وستبقى حرب 'إبادة وتهجير' حتى إشعار آخر!
مع أنّ هذه من أكثر المقولات تكراراً منذ انطلاق معركة 'طوفان الأقصى' المباركة وتسلسل الأحداث الذي تلاها، إلّا أنّنا للآن لم نلمس لهذه المقولة أثراً حقيقيّاً على الوعي، سواء في الخطاب السياسيّ والإعلاميّ، أو حتى في نقاشات وأحاديث العامّة، حيث يتم في الأغلب ترديد هذه العبارة كضربٍ من 'اللازمة' أو 'الكلاشيه'، ونادراً ما نجد أحدهم يتعامل معها باعتبارها 'خريطة إدراكيّة' فعليّة!
ماذا يعني أن تكون 'الإبادة والتهجير' خريطة إدراكيّة؟
هذا يعني أن يُقرأ سلوك العدو كلّه من منظور 'الإبادة والتهجير'، وأن تُعرَّف أي أفعال أو أقوال أو إشارات أو إيماءات تصدر عن هذا العدو بدالّة 'الإبادة والتهجير'.
بكلمات أخرى، 'الإبادة والتهجير' هي النظارة التي يرتديها العدو ويرى من خلالها غزّة والضفّة وفلسطين والقضيّة، وموقفه من أي شيء يتحدّد بمقدار ما يصبّ هذا الشيء أو يمكن أن يصب في 'الإبادة والتهجير'.
بكلمات ثالثة، كلّ شيء بالنسبة للعدو مرهون لـ 'الإبادة والتهجير' ومجيّر لها، 'السلام' قبل 'الحرب'، و'التسوية' قبل الصدام والتصعيد!
وفق هذا المنظور فإنّ 'المفاوضات' بالنسبة للعدو الصهيونيّ قد كانت منذ اليوم الأول ساحة حرب، ومناطاً آخر من مناطات الصراع، وأداة أخرى من أدوات 'الإبادة والتهجير'!
فالمفاوضات هي أهم وسيلة لشراء الوقت بدماء الفلسطينيّين وعلى حساب معاناتهم لحين إنجاز 'المهمّة'..
والمفاوضات هي من أهم وسائل لفت الأنظار عن جرائم الكيان، والتهوين منها، وإسباغ مشروعيّة ومقبوليّة ضمنيّة عليها..
والمفاوضات هي وسيلة لبثّ الدعاية المُغرضة بحق المقاومة، والمساواة بين الجلّاد والضحيّة، وفي أغلب الأحيان تبرئة الجلّاد ولوم الضحية..
والمفاوضات هي وسيلة لقيام الدول العربيّة والإسلاميّة تحت غطاء الوساطة والدبلوماسيّة والإغاثة بممارسة إنحيازها للصهيونيّ، وتماهيها معه ومع مخطّطاته الرامية إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها بالكامل.. دون أن تضع هذه الدول نفسها صراحةً في خانة الاتهام، بل ولتسجّل فوق ذلك بطولات ومآثر وهميّة على ظهر الفلسطينيّين، ولتُحمّل المقاومة وحاضنتها الشعبيّة 'جميلة'، ولتُصوّر نفسها بأنّها لا تفعل ما تفعله إلّا من أجل حقن دماء أهل غزّة وإنهاء معاناتهم!
وحتى في المرّتين اللتين أفضت فيهما المفاوضات إلى هدنة، فإنّ ذلك لم يخرج عن إطار 'الإبادة والتهجير'؛ بمعنى أنّ موافقة العدو كانت مسمومة وذات نوايا مبيّتة حتى يتسنى له التقاط أنفاسه، واستدراك خسائره وإخفاقاته، واستجماع زمام قوّاته وجبهته الداخليّة، وتثبيت مواطئ قدمه الجديدة، وبناء استحكاماته، وإعادة ترتيب أوراقه ورسم خططه وحشد موارده وتجديد ترسانته.. تمهيدأ للشروع في المرحلة التالية من 'الإبادة والتهجير'!
نظريّاً، أي مفاوضات في الدنيا يُفترض أن تكون انعكاساً للحقائق والمجريات على الأرض.. ولكن في حالة غزّة فإنّ المفاوضات هي انعكاس للأكاذيب التي يُراد تكريسها وما يُحاك في الكواليس!
بل إنّ إطلاق وصف 'مفاوضات' هنا لا يخلو بحدّ ذاته من إجحاف؛ فالمفاوضات تحت النار والقصف والنسف والتجويع ليست مفاوضات، والمفاوضات التي يكون فيها الضغط باتجاه واحد ليست مفاوضات، والمفاوضات التي يكون ضامنها هو قاتلها وحاميها هو حراميها ليست مفاوضات.. بل هي محض ابتزاز!
بالنسبة للمقاومة فإن حالها مع المفاوضات كحال 'بالع الموس' على الحدّين!
فمن ناحية هي مضطرة للانخراط في المفاوضات والسير معها و'مسيارتها'، من قبيل سدّ الذرائع، وحتى لا تمنح أعدائها وخصومها وكارهيها والمتآمرين عليها عذراً إضافيّاً لاتهمامها بأنّها لا تعبأ بدماء أهالي غزّة ومعاناتهم، وبأنّها تقامر بأرواحهم ومصيرهم، وللحفاظ على شعرة معاوية التي ما تزال تربطها بالدول العربيّة والإسلاميّة المنخرطة مباشرةً في المفاوضات..
ومن ناحية أخرى هي تدرك عبثيّة مثل هذه المفاوضات، وبأنّ 'الإبادة والتهجير' هما العنوان العريض الذي لن يسمح العدو وداعميه وزبانيته لمخرجات أي مفاوضات وتفاهمات بأن تحيد عنه!
أمّا بالنسبة لموافقة المقاومة على مقترح الوسطاء الأخير في غزّة، فإنّ هذه الموافقة تأتي من قبيل 'لاحق العيّار لباب الدار'، ولإعادة الكرة إلى ملعب الخصوم؛ فالمقاومة تدرك يقيناً أنّ العدو لن يوافق، وسيتلكك، وسيختلق الحجّج والذرائع، لماذا؟ ليس لأنّ لديه اعتراضات حقيقية على شروط التهدئة، وليس لأنّ لديه - كما يدّعي - شروطاً ومتطلبات إضافيّة، بل لأنّ 'الإبادة والتهجير' هي 'قضية' هذا العدو في هذه المرحلة وليس لديه أي قضية أخرى!
حتى أسراه بأحيائهم وأمواتهم هم مرهونون لحساب 'الإبادة والتهجير'، وفي سبيلها، ومن أجلها، وليس لهم إزاءها أي أفضليّة أو أولويّة أو ديّة!
ما هي نهاية مسار المفاوضات بصيغته الحاليّة؟ لا شيء!
فبالنسبة للعدو الصهيونيّ النهاية الوحيدة المقبولة هي أن يُتمّ 'مهمّته' القذرة، وأن يقضي على المقاومة ويدمّر بنيتها التحتيّة ويفكّك شبكتها الاجتماعيّة، وأن يفرّغ قطاع غزّة من أهله، وأن يعيد احتلاله وضمّه، وتقديم ثرواته ومقدّراته وموقعه الإستراتيجيّ ضمن حروب الطاقة والغاز والممرّات على طبق من فضة لصالح الشركات العابرة للقارات، والبنوك، والصناديق السياديّة، ورأس المال النذل المتجاوز للأديان والقوميّات والضمائر!
وما لم يعي الوسطاء والمفاوضون ذلك، ويجعلوه جزءاً من 'خارطتهم الإدراكيّة'، فإنّ الجهود التي يبذلونها، والمبادرات والمقترحات التي يقدمونها، وضغوطاتهم المتزايدة على المقاومة - الحلقة الأضعف بتصوّرهم - كلما أبدى العدو مزيداً من التعنّت.. كلّ ذلك يسهم من حيث يدرون ولا يدرون في خدمة العدو وغاياته الشيطانيّة، ويساعده في جعل المفاوضات تماماً كما يريدها: سلاحاً بيده، وسيفاً مسلطاً على رقاب أهل غزّة، وأداةً أخرى من أدوات الإبادة والتهجير!