اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
على هامش انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني
د. ماجد الخواجا
ثمة أسئلة مشروعة لكنها مغيّبة بحكم الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيين ضمن حالات التواجد الديمغرافي لهم، هناك أسئلة لا يمكن الإجابة عنها قبل أن تكون إجابات عديدة لأسئلة سبقتها في الحضور والأولوية. من تلك الأسئلة المؤجلة سؤال الهوية، حيث أنه بعد عقود من الشتات أصبح هذا السؤال حاضراً ليس بالفهم الوجودي له، وإنما بالفهم الموضوعي للواقع الفلسطيني الذي يدلل على مدى الاشتباك الهوياتي عند تعريف من هو الفلسطيني.
في التعريف الخاص بالمجلس الوطني الفلسطيني، فهو البرلمان الفلسطيني الذي يعدّ الهيئة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها، أي الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة عام 1948، وعام 1967، والفلسطينيين اللاجئين في مختلف مناطق لجوئهم، وهو يمثّل السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد تأسس المجلس في عام النكبة 1948.
كانت البداية مع عام 1919 بما عرف بالمؤتمر العربي الفلسطيني، والذي عقد سبع دورات للفترة (1919- 1928)ن وجاء مؤتمر غزّة عام 1948 ليعلن الرغبة في الاستقلال وإقامة حكومة وطنية لعموم فلسطين بالكامل برئاسة ' حلمي عبد الباقي'، حيث قام الحاج ' أمين الحسيني' بعقد مجلس وطني فلسطيني مثّل أول سلطة تشريعية تقام على أرض فلسطين. فيما تناوب على رئاسة المجلس الوطني بأولهم أحمد الشقيري وعبد المحسن قطان ويحيى حمودة وخالد الفاهوم والشيخ عبد الحميد السائحن وانتهاء بالسيد سليم الزعنون الذي استلم الرئاسة منذ عام 1996 وحتى الآن.
في 19 تموز 2025 أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بالاعتماد على قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة، بإجراء ' انتخابات' المجلس الوطني قبل نهاية 2025. وتضمن القرار أن يكون أعضاء المجلس 350 عضواً، ثلثاهم من الضفة الغربية وغزّة، مشترطاص للعضوية الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها الدولية. أي أن يتم التأييد لاتفاقيات أوسلو وما انبثق عنها من استحقاقات بالإعتراف ' بإسرائيل' والتنازل عن معظم فلسطين التاريخية ونبذ المقاومة المسلّحة، مع بقاء تشكيل اللجنة التحضيرية تحت إرادة وسلطة حركة فتح.
في الشكل النهائي لهذه الدعوة يبدو أن السلطة اتبعت سياسة الهروب للأمام، بحيث أن هذا الاستحقاق يجيء استجابة لترتيبات داخل حركة فتح والسلطة، وخشيةً من الخريطة الانتخابية التي تعكس الوزن الحقيقي للفصائل والقوى الفلسطينية. وأيضا لضغوط واعتبارات خارجية منها ما يتعلق باليوم التالي للإبادة في غزّة حيث الدعوة إلى مبادرة عالمية تتمثل بــ ' حل الدولتين'. وحيث التهديد الوجودي الذي تمارسه دولة الاحتلال بصلافة ودون أدنى رادع، وآخرها تصويت ما يدعى بالكنيست الصهيوني بتاريخ 23 تموز 2025، على مشورع قانون تطبيق السيادة ' الإسرائيلية' على الضفة الغربية، وتفكيك السلطة إلى جزرٍ وكانتونات معزولة عن بعضها لتأخذ شكل خدمات بلدية مرتبطة بتوجيهات وإشراف مباشر للاحتلال عليها.
في القراءة للمشهد القادم، يبدو أن حركة فتح تبحث عن كيفية التشبّث بخيوط السلطة والقرار، وتريد أن تكون هي البديل الواقعي المتاح لتمثيل الشعب الفلسطيني في تقرير ما سيتم فرضه صهيونياً ودولياً.
ويلاحظ أن القرار أعطى الداخل في الضفة وغزّة ثلثي العضوية، التي كانت مناصفةً بين الداخل والخارج، لا بل لم تكن هناك أصوات وتصويت للداخل الفلسطيني منذ نكسة 1967 وحتى اتفاقيات أوسلو 1993.
منذ سنوات طويلة لم ينعقد فيها المجلس الوطني، حيث كان معطلاً بذرائع متعددة، إضافة إلى أن متوسط أعمار الأعضاء تجاوز معظمهم الستين عاماً، حيث عقد آخر دورة عادية في نيسان 1996 في غزّة، وكان الهدف من ذلك ' إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني' وهو الميثاق الذي بنيت منظمة التحرير على أساسه. بدأ المجلس الوطني في سنة 1968، بعضوية مائة عضو فقط، فيما تضاعف عديدهم عشرة أضعاف. ولم يعد المجلس واجهة لمناقشة القضايا الفلسطينية، بل أصبح مجلس رفع الأيدي دون نقاش.
تبدو الدعوة لإنتخابات مجلس وطني فلسطيني بعد عقود من التجميد له، أن ثمة استحقاقات حاسمة وجذرية ومفصلية قد تعيد رسم المشهد الفلسطيني برمّته. وللحديثبقية.