اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
حدث تاريخي سياسي في اليابان: انتخاب سيدة لأول مرة كرئيسة وزراء
الاستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق
يُعد انتخاب امرأة لرئاسة الوزراء في اليابان حدثًا تاريخيًا يحمل دلالات رمزية وسياسية كبيرة، ويعكس بداية تحول في المجتمع الياباني نحو مزيد من التمثيل النسائي في القيادة، كما انها امتداد لسياسة الرئيس الراحل شينزو ابي.
وتُعد العلاقة بين ساناي تاكايتشي ورئيس الوزراء السابق شينزو آبي، واحدة من أبرز العلاقات السياسية في المشهد الياباني الحديث. هذه العلاقة لم تكن مجرد تقارب سياسي عابر، بل كانت بمثابة شراكة فكرية واستراتيجية ساهمت في صعود تاكايتشي إلى قمة السلطة، ورسّخت مكانتها كأحد أبرز رموز التيار المحافظ في البلاد.
منذ بداياتها السياسية، أظهرت تاكايتشي ولاءً واضحًا لنهج شينزو آبي، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي. السيد آبي، المعروف بتوجهاته القومية وسعيه لتعديل الدستور الياباني، وجد في تاكايتشي شخصية سياسية تتبنى رؤى مشابهة، خاصة فيما يتعلق بتعزيز القدرات الدفاعية لليابان وتوسيع دورها الإقليمي والدولي. هذا التقارب في الرؤية جعل آبي يراهن على تاكايتشي كوريثة محتملة لنهجه السياسي، فقدم لها الدعم العلني خلال حملتها لرئاسة الحزب، وهو دعم لم يكن رمزيًا فحسب، بل كان له تأثير مباشر في تعزيز فرصها داخل أروقة الحزب الحاكم.
تاكايتشي بدورها لم تُخفِ إعجابها العميق بآبي، بل كانت تصفه علنًا بأنه 'قدوتها السياسية'، وغالبًا ما كانت تستشهد بمواقفه وتوجهاته كمرجعية في قراراتها. حتى بعد وفاته المفاجئة، واصلت تاكايتشي الدفاع عن إرثه السياسي، مؤكدة التزامها بمواصلة مسيرته، لا سيما فيما يتعلق بإصلاح الدستور، وتعزيز التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، ومواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة من الصين وكوريا الشمالية.
لكن العلاقة بينهما لم تكن مجرد تبعية، بل تطورت إلى شراكة استراتيجية، حيث استطاعت تاكايتشي أن تبني لنفسها شخصية سياسية مستقلة، وإن كانت مستلهمة من آبي. فقد أظهرت في أكثر من مناسبة قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة، حتى وإن كانت مثيرة للجدل، مثل دعمها لسياسات نقدية توسعية، أو مواقفها الصارمة تجاه وسائل الإعلام.
ويمكن القول إن العلاقة بين ساناي تاكايتشي وشينزو آبي شكّلت أحد أعمدة التحول السياسي في اليابان خلال العقدين الأخيرين. فهي علاقة جمعت بين المرشد (سينباي في اللغة اليابانية) والتقارب الأيديولوجي، وأسهمت في إيصال أول امرأة إلى رئاسة الحكومة في بلد ظل لفترة طويلة حكرًا على القيادات الذكورية.
خلفية السيدة ساناي تاكايتشي
وُلدت ساناي تاكايتشي في 7 مارس/آذار 1961 بمحافظة نارا، وسط اليابان، في أسرة متوسطة؛ حيث كان والدها يعمل في إحدى شركات مجموعة تويوتا، وكانت والدتها موظفة في شرطة المحافظة. درست العلوم السياسية في جامعة كيوتو، ثم حصلت على تدريب سياسي في الولايات المتحدة، مما ساعدها على صقل رؤيتها السياسية وتوسيع علاقاتها الدولية.
بدأت تاكايتشي مسيرتها السياسية عام 1993 عندما ترشحت لأول مرة لعضوية مجلس النواب الياباني، ومنذ ذلك الحين شغلت عدة مناصب وزارية، أبرزها وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات، حيث عُرفت بمواقفها الصارمة تجاه وسائل الإعلام، ودعواتها لتشديد الرقابة على المحتوى الإعلامي.
تنتمي تاكايتشي إلى الجناح اليميني المحافظ داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، وتتبنى مواقف قومية واضحة، خاصة فيما يتعلق بتعديل الدستور الياباني، وتعزيز القدرات الدفاعية للبلاد. وقد وصفت نفسها بأنها من أشد المعجبين برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، وتعتبرها نموذجًا للقيادة النسائية الحازمة.
على الصعيد الشخصي، تزوجت من النائب تاكو ياماموتو عام 2004، ولها ثلاثة ابناء، لكنهما انفصلا لاحقًا بسبب خلافات سياسية، قبل أن يعودا للزواج مجددًا عام 2021.
في أكتوبر 2025، انتُخبت تاكايتشي زعيمة للحزب الليبرالي الديمقراطي، لتصبح بذلك أول امرأة تتولى قيادة الحزب الحاكم، ومن ثم أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان، في خطوة اعتُبرت تاريخية في بلد لطالما هيمنت فيه القيادات الذكورية على المشهد السياسي.
التوقعات السياسية والاقتصادية
تشير التوقعات إلى أن نجاح ساناي تاكايتشي في إدارة الملف السياسي والاقتصادي الياباني يتراوح بين التفاؤل الحذر والتحديات المعقدة، إذ يُنظر إليها كرمز للتغيير في اليابان، لكن قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة ستعتمد على إدارتها للأزمات الداخلية وتحقيق التوازن في العلاقات الدولية.
على الصعيد السياسي، تواجه تاكايتشي بيئة غير مستقرة؛ فقد أصبحت رابع رئيس وزراء لليابان خلال خمس سنوات، ما يعكس حالة من التذبذب في القيادة السياسية. رغم أنها نجحت في إعادة تشكيل التحالف الحاكم بعد انهيار التحالف التقليدي بين الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو، إلا أن خصومها يتهمونها بأنها 'دمية في يد الفصائل الذكورية' داخل الحزب، مما يضعها أمام تحدي إثبات استقلاليتها السياسية.
اقتصاديًا، تتولى تاكايتشي قيادة رابع أكبر اقتصاد في العالم وسط أزمة تضخم وارتفاع الأسعار. سياساتها الاقتصادية تعتمد على التحفيز المالي، وزيادة الإنفاق الحكومي في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، وهو نهج مشابه لسياسات 'آبينوميكس' التي تبناها شينزو آبي. ومع ذلك، فإن نجاحها في هذا المجال سيعتمد على قدرتها في مواجهة التحديات الهيكلية مثل الشيخوخة السكانية، وتراجع الإنتاجية، وارتفاع الدين العام.
أما دوليًا، فتاكايتشي تتبنى توجهًا محافظًا في السياسة الخارجية، وتسعى لتعزيز التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. يُتوقع أن تستمر في دعم السياسات الدفاعية القوية، بما في ذلك تعديل المادة التاسعة من الدستور الياباني، وهو ما قد يثير جدلاً داخليًا ودوليًا، وهي السياسة التي بدأها شينزو آبي.
المادة التاسعة من الدستور
المادة التاسعة من الدستور الياباني، والتي عكف السيد آبي على طرح مبدأ تعديلها، تتلخص في أن اليابان تريد أن تتمتع بحقها في الدفاع عن كيانها ضمن قوة عسكرية يابانية، لا الاعتماد على حليف للدفاع عنها. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تبنّت اليابان دستورًا جديدًا عام 1947 تحت إشراف الاحتلال الأمريكي، وكان من أبرز بنوده وأكثرها جدلاً المادة التاسعة، التي تُعد حجر الزاوية في السياسة السلمية اليابانية. هذه المادة لا تُجسد فقط موقفًا قانونيًا، بل تعكس فلسفة وطنية عميقة تتعلق بدور اليابان في العالم، ومسؤوليتها تجاه السلام الدولي.
تنص المادة التاسعة على أن الشعب الياباني يتخلى 'إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة'، ويرفض 'استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لحل النزاعات الدولية'. كما تحظر على اليابان امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية، أو أي قدرات حربية أخرى. هذا النص، رغم وضوحه، لم يمنع اليابان من إنشاء 'قوات الدفاع الذاتي'، وهي قوة عسكرية متطورة تُستخدم فقط للدفاع عن النفس، ما أثار جدلاً قانونيًا وسياسيًا مستمرًا حول تفسير المادة.
على مدار العقود، أصبحت المادة التاسعة رمزًا للهوية السلمية لليابان، ورافعة أخلاقية في علاقاتها الدولية، خاصة في آسيا، حيث لا تزال ذكريات الحرب حاضرة. لكن في ظل التغيرات الجيوسياسية، وتصاعد التهديدات الإقليمية من الصين وكوريا الشمالية، بدأ النقاش يتجدد حول جدوى هذه المادة، وقدرتها على حماية اليابان في عالم متغير.
المحافظون، ومنهم رئيسة الوزراء الحالية ساناي تاكايتشي، يرون أن المادة التاسعة تُقيد قدرة اليابان على الدفاع عن نفسها، وتمنعها من لعب دور أكثر فاعلية في الأمن الإقليمي والدولي. ويطالبون بتعديلها لتُعطي اليابان الحق في امتلاك جيش كامل الصلاحيات، والمشاركة في العمليات العسكرية الدولية إلى جانب حلفائها.
في المقابل، يرى المعارضون أن تعديل المادة سيُفقد اليابان مكانتها كرمز للسلم، ويُعرضها لمخاطر الدخول في صراعات اليابان في غنى عنها. كما يخشون من أن يؤدي ذلك إلى عسكرة السياسة اليابانية، وزيادة التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
المادة التاسعة ليست مجرد نص قانوني، بل هي مرآة تعكس صراعًا داخليًا بين الماضي والحاضر، بين السلمية والدفاع، وبين الهوية الوطنية والدور العالمي. مستقبل هذه المادة سيُحدد ليس فقط من خلال النقاشات القانونية، بل من خلال إرادة الشعب الياباني، وتوازنات القوى السياسية، والتحديات الأمنية التي تواجه البلاد في السنوات القادمة.
رمزية انتخاب امرأة كرئيس للوزراء
إن انتخاب السيدة ساناي تاكايتشي رئيسةً لوزراء اليابان يشكل حدثًا تاريخيًا غير مسبوق، ليس فقط لأنها أول امرأة تتولى هذا المنصب في بلد يُعرف بثقافته المحافظة، بل لأنها تمثل نقطة تحول رمزية وسياسية في مسار القيادة اليابانية. هذا الحدث يحمل في طياته دلالات اجتماعية عميقة، وتحديات سياسية واقتصادية معقدة، ويثير تساؤلات حول مستقبل اليابان في الداخل والخارج.
وفي مجتمع ياباني لطالما هيمنت فيه القيادات الذكورية على المشهد السياسي، يُعد وصول امرأة إلى أعلى منصب تنفيذي كسرًا لحاجز نفسي واجتماعي راسخ. تاكايتشي، التي نشأت في محافظة نارا وتدرجت في المناصب السياسية منذ التسعينيات، أصبحت رمزًا لإمكانية التغيير، وقد تلهم نساءً كثيرات في اليابان لدخول الحياة السياسية والمطالبة بحقوقهن في التمثيل والمشاركة.
رغم أن تاكايتشي تتبنى توجهات محافظة، فإن وجودها في هذا المنصب قد يدفع الأحزاب الأخرى إلى إعادة النظر في سياسات التمثيل والتنوع. ومع ذلك، فإن استمرارها في الحكم سيعتمد على قدرتها في الحفاظ على استقرار التحالفات السياسية، خاصة بعد انهيار التحالف التقليدي بين الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو، وتشكيلها لتحالف جديد مع حزب الابتكار الياباني. كما تواجه تحديًا كبيرًا في استعادة ثقة المواطنين بعد سلسلة من الفضائح والخسائر الانتخابية التي عصفت بالحزب الحاكم.
وعلى الصعيد الدولي، يعزز انتخاب امرأة في هذا المنصب صورة اليابان كدولة تسعى نحو المساواة بين الجنسين، خاصة في ظل الانتقادات السابقة لضعف تمثيل النساء في الحكومة. تاكايتشي أعربت عن إعجابها برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، ما يعكس رغبتها في تقديم نموذج قيادي نسائي قوي، يجمع بين الحزم والطموح.
ورغم الرمزية القوية لهذا الحدث، فإن الحكومة الجديدة تضم فقط امرأتين، مما يثير تساؤلات حول مدى التغيير الفعلي في تمكين المرأة داخل النظام السياسي الياباني. فهل يمثل انتخاب تاكايتشي بداية تحول حقيقي، أم مجرد استثناء رمزي في مشهد سياسي لا يزال يهيمن عليه الرجال؟
مقارنة بين تاكايتشي وآبي
من الناحية الاقتصادية، تتبنى تاكايتشي نهجًا توسعيًا، وتسعى إلى تحفيز الاقتصاد من خلال إنفاق حكومي ضخم، خاصة في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا. كما تعارض رفع أسعار الفائدة، وتؤيد سياسات تشجع على الاقتراض والاستثمار، في محاولة لإعادة تنشيط الاقتصاد الياباني الذي يعاني من تباطؤ مزمن. وتولي اهتمامًا خاصًا للابتكار التكنولوجي، وتسعى لتعزيز تنافسية اليابان في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطاقة الخضراء.
أما على صعيد السياسة الأمنية، يُتوقع أن تحافظ تاكايتشي على نهج شينزو آبي، الذي كانت من أبرز المقربين له سياسيًا. وفي المشهد السياسي الياباني، تُعد ساناي تاكايتشي امتدادًا فكريًا وسياسيًا لرئيس الوزراء السابق شينزو آبي، لكنها في الوقت ذاته تسعى إلى ترسيخ بصمتها الخاصة في ملفات حيوية مثل الاقتصاد والدفاع.
ولمقارنة سريعة بين السيد آبي كرئيس وزراء سابق والسيدة تاكايتشي، فعلى الصعيد الاقتصادي، أطلق شينزو آبي سياسة 'آبينوميكس' الشهيرة، التي ارتكزت على ثلاثة محاور: سياسة نقدية توسعية، وسياسة مالية مرنة، وإصلاحات هيكلية تهدف إلى إنعاش الاقتصاد الياباني الراكد. كان آبي يسعى إلى تحفيز الاستثمار الخاص، وتوسيع التجارة الدولية، والانفتاح على الأسواق العالمية، مع التركيز على تحرير السوق وتعزيز دور الشركات اليابانية في الخارج.
أما تاكايتشي، فرغم تبنيها لنهج توسعي مشابه، فإنها تميل إلى التركيز على الإنفاق الحكومي المباشر، خاصة في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا. تعارض رفع أسعار الفائدة، وتدعم سياسات تشجع على الاقتراض الداخلي، في محاولة لتحفيز الاقتصاد من الداخل. كما تولي اهتمامًا خاصًا للابتكار المحلي، وتسعى إلى تعزيز تنافسية اليابان في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطاقة الخضراء، ما يعكس توجهًا أكثر تركيزًا على الاستقلالية التكنولوجية.
العلاقة بين تاكايتشي وآبي ليست مجرد تقارب سياسي، بل هي شراكة فكرية امتدت لسنوات، حيث دعمها آبي علنًا في ترشحها لرئاسة الحزب، واعتبرها امتدادًا لنهجه السياسي. وقد وصفتها وسائل الإعلام بأنها 'المرأة الحديدية'، في إشارة إلى صلابتها وتأثرها العميق بنهج آبي، لكنها اليوم تقف أمام اختبار حقيقي لإثبات استقلاليتها، وقدرتها على تقديم نموذج قيادي يجمع بين الإرث المحافظ والطموح الإصلاحي.
خاتمة
تمثل ساناي تاكايتشي مزيجًا من القيم المحافظة والطموح الاقتصادي الجريء، وهي تقف اليوم أمام اختبار حقيقي لقيادة اليابان في مرحلة دقيقة من تاريخها. نجاحها في مواجهة التحديات الديموغرافية والمالية والجيوسياسية سيحدد ليس فقط مستقبلها السياسي، بل أيضًا مستقبل اليابان كدولة تسعى إلى التوازن بين التقاليد والتحديث، وبين السلمية والدفاع، وبين الرمزية والواقع.












































